بسم الله الرحمن
الرحيم
(الصلاة)
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونستهديه،
ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ
له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ،
يا ربِّ حمداً ليسَ غَيْرُكَ يُحْمَدُ ** يا من لَهُ كُلُّ الخَلائِقِ تَصْمُدُ
أبوابُ غيرِكَ ربنا قد أوُصدت ** ورأيتُ بابَكَ واسعاً لا يُوصَدُ
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن
محمدًا عبدُه ورسولُ، وصفيه وخليله بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد
في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أَمَّا بَعْدُ:
قَالَ الإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّه: قَسَمَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الفَاتِحَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ،
فَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ: **الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ**، فَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَى رَبِّهِ.
وَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ: **الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ**،
فَهَذَا رَجَاءٌ وَثَنَاءٌ عَلَى رَبِّهِ.
وَإِنْ قَالَ: **مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ**، فَهَذَا
وَصْفٌ لِعَظَمَتِهِ، وَقَهْرِهِ لِعِبَادِهِ.
وَإِنْ قَالَ: **إِيَّاكَ نَعْبُدُ**، فَهَذَا حَقُّ
اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ.
ثُمَّ افْتَتَحَ اللَّهُ الْقِسْمَ الَّذِي لِلْعَبْدِ
بِقَوْلِهِ: **وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ**.
أَمَّا الْقِسْمُ الأَوَّلُ فَقَوْلُنَا: **الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ،
إِيَّاكَ نَعْبُدُ**، حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلا نَعْبُدُ سِوَاهُ.
ثُمَّ افْتَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قِسْمَ عَبْدِهِ، فَقَالَ: **وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ**.
فَإِنَّ بُلُوغَ الْهِدَايَةِ لا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ
بِأَسْبَابٍ وَمُقَدِّمَاتٍ حَقَّقَتْهَا سُورَةُ الفَاتِحَة.
فَمَنِ اجْتَهَدَ فِي تَحْقِيقِ الْخَمْسَةِ الأُولَى
تَحَقَّقَتْ لَهُ السَّادِسَةُ: **اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ**.
شِعَارُهَا الاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ، وَهِيَ الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ فِي تَحْصِيلِ الْمَنَافِعِ، وَدَفْعِ الْمَضَارِّ مَعَ الثِّقَةِ
الْمُطْلَقَةِ أَنَّ تَحْصِيلَهَا لا يَكُونُ إِلاَّ بِذَلِكَ، وَأَنَّهَا
سَتُحَصَّلُ.
أَنْبِيَاءُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ، ضَرَبُوا لَنَا
الْمَثَلَ الأَعْلَى فِي ذَلِكَ. فَإِنَّ الاسْتِعَانَةَ هِيَ شِعَارُ الْفَقْرِ
وَالذُّلِّ، وَالْخُرُوجُ مِنَ الْحَوْلِ وَالطَّوْلِ إِلَى صَاحِبِ الْحَوْلِ
وَالطَّوْلِ الَّذِي لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ.
**إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ**،
وَالْمُتَأَمِّلُ فِي القُرْآنِ الكريم يَجِدُ أَنَّ الاسْتِعَانَةَ قَدْ قُرِنَتْ
بِالْعِبَادَةِ مِرَارًا. قَالَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا: **وَاسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ**.
وَهَذِهِ الْقَرِينَةُ بَيْنَ الاسْتِعَانَةِ
وَالْعِبَادَةِ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ، أَوَّلُهَا: تَحْقِيقُ كَمَالِ
الْعُبُودِيَّةِ، فَإِنَّ كَمَالَ الْعُبُودِيَّةِ لا يَتِمُّ إِلاَّ بِكَمَالِ
الاسْتِعَانَةِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ: **اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ
وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ**، وَهِيَ وَصِيَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ لَمَّا قَالَ لَهُ: "يَا مُعَاذُ، إِنِّي أُحِبُّكَ،
لا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ: **اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى
ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ**".
فَعَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ فِي كُلِّ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ،
الاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَلَوْ كُنْتَ تَظُنُّهُ
حَقِيرًا.
الاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ فِي كُلِّ شُؤُونِ الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ.
فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَدْعُو رَبَّهُ فَيَقُولُ: **يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى
دِينِكَ**. يَسْتَعِينُ بِرَبِّهِ لِلثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ.
وَأَخْبَرَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أَمَرَ
قَوْمَهُ، فَقَالَ: **اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ
يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ**.
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللَّهِ، نَعِيشُ ظَرْفًا
صَعْبًا، وَوَقْتًا غَرِيبًا. وَمَرَّتْ عَلَيْنَا مَا يُقَارِبُ السَّنَةَ
وَالنِّصْفَ، نَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى
وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، أَلاَّ نَرَى مِثْلَ نَكْدِهَا مَا حَيِينَا؟ وَلاَ نَقُولُ
إِلاَّ مَا يُرْضِي رَبَّنا: **الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ**.
مَا الَّذِي يُحْفَظُنَا وَيَدْفَعُ عَنَّا الشُّرُورَ
وَالْمَكَارِهِ، وَيَدْفَعُ عَنَّا شُرُورَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟
**وَاسْتَعِينُوا**، أَيْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِ.
فالاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ فِي كُلِّ شَأْنٍ كَبِيرٍ
وَصَغِيرٍ، خَاصٍّ وَعَامٍّ، دِينٍ وَدُنْيَا.
وَذَلِكَ لأنَّهُ لا نَجَاةَ إِلاَّ بِهِ.
وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَيُحِبُّ
أَنْ يُدْعَى، وَيُحِبُّ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِ.
وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْحَدِيثِ: **"مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ"**.
قَالُوا: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ تَرْكَ السُّؤَالِ
وَالاسْتِعَانَةِ دَلالَةٌ عَلَى الاسْتِغْنَاءِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ مِنْ عبادهِ الذُّلَّ
وَالافْتِقَارَ إليه.
اللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَلِذَا: تَجَلَّى
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لأَحِبَّائِهِ وَعِبَادِهِ فِي الثُّلُثِ الآخِرِ مِنْ
كُلِّ لَيْلَةٍ، وَيَقُولُ: **هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ
سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرُ لَهُ؟**
لأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تَسْتَعِينَ بِهِ، وَيُحِبُّ
أَنْ تَسْأَلَهُ، وَيُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَهُ.
وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ أَنَّهُ جَعَلَ
تَجَلِّيَهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِعِبَادِهِ، حَتَّى يَفْتَحَ بَابَ
الرَّجَاءِ وَالاسْتِعَانَةِ، وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: **وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاَةِ**.
والصَّبْرُ يَكونُ:
بِحَبْسِ النَّفْسِ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَحَبْسِهَا
عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ.
وَحَبْسِهَا عَنِ التَّسَخُّطِ وَالشَّكْوَى عَلَى
أَقْدَارِ اللَّهِ.
**وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ هُوَ
أَثْقَلُ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ**، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ فِعْلَ
إِبْلِيسَ كَانَ أَعْظَمَ إِثْمًا مِنْ فِعْلِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
لأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَصَى رَبَّهُ
وَغَوَى، وَلَكِنَّهُ تَابَ إِلَى اللَّهِ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. أَمَّا
إِبْلِيسُ فَهُوَ رَجِيمٌ لَعِينٌ طَرِيدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَذَلِكَ لأَنَّ إِبْلِيسَ **لَمْ يَصْبِرْ عَلَى
الطَّاعَةِ وَالأَمْرِ**؛ أُمِرَ أَنْ يَسْجُدَ فَلَمْ يَسْجُدْ.
أَمَّا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمْ يَصْبِرْ عنِ
النَّهْيِ؛ فَنُهِيَ عَنِ الشَّجَرَةِ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَكَانَتْ مَعْصِيَتُهُ.
**وَلأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الطَّاعَةِ أَعْظَمُ مِنَ
الصَّبْرِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، كَانَ الْجَزَاءُ لِإِبْلِيسَ أَعْظَمَ مِمَّا
كَانَ لآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.**
فَأَثْقَلُ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ هُوَ **الصَّبْرُ عَلَى
طَاعَةِ اللَّهِ**. وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
**"أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ"**.
لِأَنَّهُ **صَبْرٌ وَحَبْسٌ لِلنَّفْسِ عَلَى
الطَّاعَةِ**.
ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: "عَجَباً لأمْرِ
الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ
للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ
ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ".
**"وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلَاةِ"**
كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا
حَزَبَهُ أَمْرٌ قَامَ وَصَلَّى. فَأَقْرَبُ اللَّحَظَاتِ إِلَى اللَّهِ هِيَ
لَحَظَاتُ الصَّلَاةِ.
وَلِذَلِكَ، مِنْ شَرِيفِ مَكَانَتِهَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ
يُنْزِلِ الْوَحْيَ بِهَا، وَإِنَّمَا رَفَعَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا. فَدَلَّ عَلَى قُرْبِ الْمُصَلِّي مِنْ
مَوْلَاهُ.
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: **"إِنَّ الإِنسَانَ
خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ
مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ
دَائِمُونَ"**.
وَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
**"أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ،
فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ"**.
حَتَّى إِذَا قَامَ الْمُصَلِّي، خَافَ، وَرَجَا مَا
عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَلَمْ يَغْفَلْ عَنْ أَحْوَالِ
الْمُسْلِمِينَ.
وَلَيْسَتِ الصَّلَاةُ صَلاةَ جِيلٍ جَمَعَ مَعَ
الصَّلَاةِ مَنْعَ الْحُقُوقِ، وَإِظْهَارَ الْمَعَاصِي، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ،
وَالتَّعَدِّي عَلَى حُدُودِ اللَّهِ.
وَلَيْسَتْ صَلَاةَ جِيلٍ قَضَى عُمُرَهُ أَمَامَ
شَاشَاتٍ، يُرَاقِبُ أَقْدَامَ اللَّاعِبِينَ وَغِنَاءَ الْفَاسِقِينَ.
**جِيلٌ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ
الْمُنْكَرِ.**
ضَاعَتِ الْمُقَدَّسَاتُ مِنْ بَيْنِ يديه وَعَلَى عينيه،
ثُمَّ لَمْ يُقَدِّم شَيْئًا.
وَرِثَ الصَّلَاةَ عَنْ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَمَا
رَعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا.
تَبَاغَضُوا وَتَحَاسَدُوا وَتَدَابَرُوا وَتَقَاطَعُوا
لأَجْلِ الدُّنْيَا.
**وَإِنَّ الصَّلَاةَ الصَّالِحَةَ**، هِيَ الصَّلَاةُ
الَّتِي **تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ**، وَهِيَ الَّتِي وَعَدَ
اللَّهُ أَهْلَهَا بِالتَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ.
فَمَتَى ضَيَّعْنَا الصَّلَاةَ فَلاَ تَمْكِينَ، وَمَتَى
صَلَّيْنَاهَا صُوَرًا بِلَا روحٍ فَلاَ تَمْكِينَ.
تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي **مَاتَ نَبِيُّنَا صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوصِي بِهَا**.
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
أَنْ يَرْزُقَنَا الْخُشُوعَ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ يَنْفَعَنَا بِعِبَادَتِنَا
وَصَلَاتِنَا.
**أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي
وَلَكُمْ، فَيَا فَوْزَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ.**
الخطبة الثانية:
**الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَسَلَامٌ عَلَى نَبِيِّهِ
الَّذِي اصْطَفَى. أَمَّا بَعْدُ:**
مازِلْنَا نعيشُ في أيامِ شَهْرِ **رَجَبِ الْحَرَامِ**،
الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عنهُ:
**﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا
عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا
تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾.**
فَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الظُّلْمِ،
مُطْلَقًا عَامًّا كَانَ أَوْ خَاصًّا.
يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ:
**(يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى
نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلَا تَظَالَمُوا...).**
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَبْتَعِدُ
فِيهَا الْمُسْلِمُ عَنْ ظُلْمِ نَفْسِهِ، أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى رَبِّهِ
بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عنها:
**﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى
اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾.**
فَيَنْبَغِي المُسارَعَةُ بِالتَّوْبَةِ، والإقلاعُ عَنْ
ظُلْمِ النفسِ وَالْآخَرِينَ، وَأَنْ تُرَدَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَصْحَابِهَا
قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ. فَالْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ
وَلَا عَمَلٌ.
والْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُنَا مِنَ
الْمُفْلِسِينَ الَّذِينَ حَذَّرَ مِنْهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ قَالَ:
**(أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ
فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ
أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي
قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا،
وَضَرَبَ هَذَا. فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ،
فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ
خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).**
فَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ
سَبَبٌ لِلْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: **(إِنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ).**
وَقَالَ أَيْضًا:
ثلاثٌ أُقسِمُ عليهنَّ وأُحدِّثُكم حديثًا فاحفظوه: منها:
ولا ظُلِمَ عبدٌ مظلمةً صبر عليها إلَّا زاده اللهُ عزًّا.
ولَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ بَابَ التَّوْبَةِ أَمَامَ
عِبَادِهِ، وَوَعَدَهُمْ بِقَبُولِهَا إِذَا كَانَتْ بِشُرُوطِهَا.
قَالَ تَعَالَى: **﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ﴾.**
**خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا ذَاكَ
التُّقَى
وَاعْمَلْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا
يَرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ
الْحَصَى.**
**نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا تَوْبَةً
نَصُوحًا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ لَا
يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ.
هذا واعلموا عباد الله أن الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ
به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، وثلث بكم فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
لبيك اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آل محمد،
كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الصحابة والتابعين
وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم انصر الإسلام والمسلمين
وأذل الشرك والمشركين
ودمر أعداء الدين
اللهم ارفع ما حل بإخواننا في فلسطين، اللهم انصر
المجاهدين، وارحم المستضعفين
اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، ومكن لهم ولا تمكن منهم،
وانصرهم ولا تنصر عليهم
اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرا فوفقه إلى كل خير
ومن أراد بالإسلام والمسلمين شرًا فخذه أخذ عزيز مقتدر
اللهم عليك باليهود ومن والهم / اللهم عليك باليهود ومن
ناصرهم
اللهم لا ترفع لهم راية / ولا تحقق لهم غاية / واجعلهم
عبرة وآية.
اللهم ملك البلاد أره الحق حقًا وارزقه إتباعه / وأره
الباطل باطلًا وارزقه اجتنابه
وهيئ له البطانة الصالحة، إن نسي ذكروه، وإن ذكر أعانوه.
وأنت يا أخي أقم الصلاة.
تعليقات
إرسال تعليق