بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ،
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ
أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا
مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
يَا رَبِّ حَمْدًا لَيْسَ غَيْرُكَ يُحْمَدُ **
يَا مَنْ لَهُ كُلُّ الْخَلَائِقِ تَصْمُدُ
أَبْوَابُ غَيْرِكَ رَبَّنَا قَدْ أُوصِدَتْ **
وَرَأَيْتُ بَابَكَ وَاسِعًا لَا يُوصَدُ
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ
وَخَلِيلُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ،
وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا﴾.
أَمَّا بَعْدُ:
تَمُرُّ بِنَا فِي الْأَيَّامِ الْقَلِيلَةِ
الْمُقْبِلَةِ ذِكْرَى مُعْجِزَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ
عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ
وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَلَكِنَّهَا فُرْصَةٌ لِلْوُقُوفِ عَلَى سِيرَةِ
الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى دُرُوسِ هذهِ
الْمُعْجِزَةِ العظيمةِ الخالدة، إِذْ تَجَلَّى فِيها تَكْرِيمُ رَبِّنَا عَزَّ
وَجَلَّ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَعَلَّنَا لَسْنَا بِحَاجَةٍ لِسَرْدِ أَحْدَاثِ
تِلْكَ الرِّحْلَةِ الْخَالِدَةِ الْخَارِقَةِ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مَعًا،
فَمُعْظَمُكُمْ عَلَى دِرَايَةٍ بِهَا إِمَّا سَمَاعًا لَهَا أَوْ قِرَاءَةً
عَنْهَا.
وَلَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ مُعْجِزَةَ الْإِسْرَاءِ
وَالْمِعْرَاجِ جَاءَتْ بَعْدَ:
وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي كَانَ يَحْمِيهِ وَيُدَافِعُ عَنْهُ مِنْ إِيذَاءِ
الْمُشْرِكِينَ.
فَلَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ تَجَرَّأَ أَبُو جَهْلٍ
وَسُفَهَاءُ قُرَيْشٍ عَلَى إِيذَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى
دَعْوَةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ لِلْإِسْلَامِ، حَتَّى إِذَا حَضَرَ الْمَوْتُ
لِأَبِي طَالِبٍ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ
وَقَالَ لَهُ: "يَا عَمْ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْفَعُ
لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: (يَا ابْنَ أَخِي لَوْلَا أَنْ
تُعَيِّرَنِي بِهَا قُرَيْشٌ لَأَقْرَرْتُ عَيْنَيْكَ بِهَا).
فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَاكِيًا، وَلَمْ يَبْكِ عَلَى وَفَاتِهِ بِقَدْرِ مَا بَكَى عَلَيْهِ أَنَّهُ
مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي
مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ".
وَفِي الْعَامِ ذاتِهِ كَانَتْ أُمُّنَا خَدِيجَةُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ تُوُفِّيَتْ، تِلْكَ الزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ
الَّتِي كَانَتْ تُخَفِّفُ عَنْهُ هُمُومَهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَتْعَابَهُ.
حَتَّى إِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي جَبَلِ الصَّفَا جَاءَتْهُ خَدِيجَةُ بِالطَّعَامِ، فَيَضُمُّهَا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْزِلُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَهَذِهِ الْمَرَّةُ لَمْ يَنْزِلْ بِقُرْآنٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَ لِيُقْرَأَ
سَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ
أَقْرِئْ خَدِيجَةَ مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ.
فَقَالَتْ: هُوَ السَّلَامُ وَمِنْهُ السَّلَامُ.
فَقَالَ جِبْرِيلُ: وَأَقْرِئْهَا مِنِّي السَّلَامَ،
فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُها بِبَيْتٍ فِي
الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا تَعَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.
وَخَرَجَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَتْ
خَدِيجَةُ: يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ لَنْ يُخْزِيَكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ
تَصِلُ الرَّحِمَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ.
اصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ وَخُذْ بِوَصِيَّةِ وَرَقَةِ بْنِ
نَوْفَل، فَإِنَّ قَوْمَكَ سَيُؤْذُونَكَ وَيَطْرُدُونَكَ وَيُعَادُونَكَ، ثُمَّ
مَاتَتْ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حُزْنًا شَدِيدًا، حَتَّى سَمَّى بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ هَذَا الْعَامَ بِعَامِ
الْحُزْنِ، وَبَقِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهَا كَثِيرًا
بَعْدَ وَفَاتِهَا.
حَتَّى قَالَتْ لَهُ أُمُّنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا ذَاتَ يَوْمٍ مُعَاتِبَةً لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، خَدِيجَة خَدِيجَة!!
كَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ لَكَ غَيْرَهَا، لَقَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا
مِنْهَا.
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا
وَاللَّهِ لَمْ أُبْدَلْ بِخَيْرٍ مِنْهَا، لَقَدْ آمَنَتْ بِي يَوْمَ كَفَرَ بِيَ
النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي يَوْمَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ يُوَاسِينِي،
وَرَزَقَنِيَ اللَّهُ مِنْهَا بِالْوَلَدِ يَوْمَ لَمْ أُرْزَقْ مِنْهُ مِنْ
غَيْرِهَا.
ثُمَّ سَكَتَتْ عَائِشَةُ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَسْتَغْفِرُ لَكِ حَتَّى
تَسْتَغْفِرِي لِخَدِيجَةَ.
وَبَعْدَ هَذَا الْحُزْنِ الشَّدِيدِ الَّذِي أَصَابَ
حَبِيبَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَأْتِي مُعْجِزَةُ الْإِسْرَاءِ
وَالْمِعْرَاجِ.
أَمَّا الْإِسْرَاءُ: فَهُوَ الرِّحْلَةُ الْأَرْضِيَّةُ
الَّتِي تَمَّتْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعَبْدِهِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ إِلَى بَيْتِ
الْمَقْدِسِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾.
وَأَمَّا الْمِعْرَاجُ فَهُوَ الرِّحْلَةُ
السَّمَاوِيَّةُ الَّتِي تَمَّتْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ
مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى السَّمَاوَاتِ الْعُلَى. قَالَ ربُّنا جلَّ وعلا:
﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ إِلَى قَوْلِهِ
تَعَالَى: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾.
أَيُّهَا الْأَفَاضِلُ:
إِنَّ مُعْجِزَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ
تَتَضَمَّنُ وَقَفَاتٍ مُهِمَّة:
أُولَاهَا: مُتَعَلِّقٌ بِعَرْضِ وَقَائِعِ
الْحَدَثِ.
وَثَانِيهَا: مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى
وَمَا حَوْلَهُ.
وَثَالِثُهَا: مُتَعَلِّقٌ بِالدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ
الْمُسْتَفَادَةِ مِنْهَا.
- أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِعَرْضِ وَقَائِعِ
الْحَدَثِ، فَقَدْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْمَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ فِي مَكَّةَ فَتْرَةً
طَوِيلَةً، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْ قَبُولًا لِدَعْوَتِهِ أَخَذَ يَبْحَثُ خَارِجَ
دِيَارِ قَوْمِهِ، فَذَهَبَ إِلَى الطَّائِفِ مَاشِيًا عَلَى قَدَمَيْهِ مَسَافَةً
طَوِيلَةَ، وَحِينَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا، وَإِذْ بِأَهْلِ الطَّائِفِ يُسَلِّطُونَ
سُفَهَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ عَلَيْهِ فَآذَوْهُ وَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ،
حَتَّى أَدْمَوْا قَدَمَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ، وَأَلْجَئُوهُ إِلَى الْعَوْدَةِ
مَهْمُومًا حَزِينًا (لَا عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا عَلَى دِينِهِ).
فَيَأْتِيهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَعَهُ
مَلَكُ الْجِبَالِ وَيَقُولُ لَهُ: "يَا مُحَمَّدُ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ
عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ" أَيْ الْجَبَلَيْنِ الْمُحِيطَيْنِ بِمَكَّةَ،
لَكِنَّ حَبِيبَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِ
فَيَقُولُ: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ
يُوَحِّدُ اللَّهَ".
- لَا يَلْتَفِتُ إِلَى إِيذَائِهِمْ لَهُ - وَإِنَّمَا
يُفَكِّرُ بِكَيْفِيَّةِ إِنْقَاذِهِمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ.
وَيَعُودُ الْحَبِيبُ إِلَى مَكَّةَ يَمْلَأُ الْحُزْنُ
فُؤَادَهُ، وَيَكُونُ الْحَدَثُ الْعَظِيمُ بِانْتِظَارِهِ، وَكَأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَقُولُ لِنَبِيِّهِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: إِنْ كَانَ
أَهْلُ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ قَدْ صَدُّوكَ فَإِنَّ اللَّهَ رَبَّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ يَدْعُوكَ.
وَإِنْ أَوْصَدَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ فِي وَجْهِكَ
فَهَاهِيَ أَبْوَابُ السَّمَاءِ تُفْتَحُ لَكَ.
فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْبُرَاقِ،
وَهِيَ دَابَّةٌ تَضَعُ قَدَمَهَا عِنْدَ مُنْتَهَى نَظَرِهَا مِنْ شِدَّةِ
سُرْعَتِهَا، ثُمَّ يَطْلُبُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يَرْكَبَ هَذِهِ الدَّابَّةَ، فَيَرْكَبُ وَيَمْضِي بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهُنَاكَ يُصَوِّرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ صُوَرَ
الْأَنْبِيَاءِ بِصُوَرِهِمُ الْحَقِيقِيَّةِ لِيُصَلِّيَ بِهِمُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مَوْجُودَةً مِنْ
قَبْلُ وَلَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَفْرُوضَةً.
ثُمَّ يَعْرُجُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
إِلَى السَّمَاءِ، فَيَصِلُ إِلَى السَّمَاءِ لِيَلْتَقِيَ بِالْعَدِيدِ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ بَدْءًا بِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا
وَانْتِهَاءً بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي السَّمَاءِ
السَّابِعَةِ.
- كَمَا وَرَأَى الْعَدِيدَ مِنَ الْآيَاتِ الْكُبْرَى، فَرَأى
مِنْ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأُخْرَى مِنْ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ:
فَأَكَلَةُ الرِّبَا يَسْبَحُونَ فِي أَنْهَارِ الدَّمِ -
وَيُلْقَمُونَ الْحِجَارَةَ فِي أَفْوَاهِهِمْ.
وَالْخَائِضُونَ فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ - وَالْوَاقِعُونَ
فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ بِأَظْفَارٍ
مِنْ نُحَاسٍ.
وَالْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ نِسْيَانِ
أَنْفُسِهِمْ - تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِضَ مِنْ نَارٍ.
وَغَيْرُهُمْ مِمَّا لَا يَتَسَعُ الْمَجَالُ
لِذِكْرِهِ.
وَأَمَّا الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ مَا
يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَا حَوْلَهُ، فَلِلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى
قُدْسِيَّةٌ كَبِيرَةٌ ارْتَبَطَتْ بِعَقِيدَتِنَا مُنْذُ بَدَايَةِ الدَّعْوَةِ،
فَهُوَ قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا قَبْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ صَلَّى تِجَاهَهُ قَبْلَ تَغْيِيرِ
الْقِبْلَةِ إِلَى مَكَّةَ.
وَتَوَثَّقَتْ عَلَاقَةُ الْإِسْلَامِ بِالْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، حَيْثُ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى.
وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْقُدْسُ وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى
مَقْصُودَةً فِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ وَلَهَا دَلَالَاتٌ مُعْتَبَرَةٌ لَكَانَ
الْمِعْرَاجُ مِنْ مَكَّةَ مُبَاشَرَةً.
كَيْفَ لَا وَهِيَ أَرْضُ النُّبُوَّاتِ؟ وَأُولَى
الْقِبْلَتَيْنِ، وَثَالِثُ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا تُشَدُّ
الرِّحَالُ إِلَّا إِلَيْهَا، وَمَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمِنْهَا عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ.
فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اسْتِشْعَارُ
مَسْؤُولِيَّتِهِمْ أَمَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تِجَاهَ مُقَدَّسَاتِهِمُ
الشَّرِيفَةِ، وَإِنْ كُنَّا نَزْعُمُ عَدَمَ مَقْدِرَتِنَا عَلَى تَطْهِيرِ
هَذِهِ الْبُقْعَةِ الْمُقَدَّسَةِ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَحْيَا هَذِهِ
الْقَضِيَّةُ فِي قُلُوبِنَا، لَا أَنْ تَحْيَا وَقْتًا وَتَمُوتَ
أَوْقَاتًا.
وَلَنْ تَرْجِعَ لَنَا مُقَدَّسَاتُنَا إِلَّا بِرُجُوعِ
الْمُسْلِمِينَ إِلَى دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ.
لَا بالاقْتِرَابِ مَعَ أَصْحَابِ الْأَدْيَانِ
الْمُحَرَّفَةِ، كَمَا يَزْعُمُ أَصْحَابُ الشِّعَارَاتِ الَّذِينَ يُلَبِّسُونَ
عَلَى النَّاسِ عَقَائِدَهُمْ: تَارَةً بِشِعَارَاتِ التَّقْرِيبِ بَيْنَ
الْأَدْيَانِ، وأُخرى بِشِعَارَاتِ وَحْدَةِ الْأَدْيَانِ بِحُجَّةِ أَنَّهَا
أَدْيَانٌ سَمَاوِيَّةٌ، فَلَا يَصِحُّ الْإِسْلَامُ فِي التَّقَرُّبِ مَعَ
الْأَدْيَانِ الْمُحَرَّفَةِ.
أَرَادَ رَبُّ الْعِزَّةِ جَلَّ وَعَلَا أَنْ نَرْبِطَ
قُدْسِيَّةَ الْمَسْجِدَيْنِ: الْحَرَامِ وَالْأَقْصَى مَعًا، لِأَنَّ مَنْ
فَرَّطَ بِأَحَدِهِمَا فَقَدْ فَرَّطَ بِالْآخَرِ، وَكَأَنَّ الْقَوْلَ: إِذَا
تَعَرَّضَ أَحَدُهُمَا لِلضَّرَرِ فَإِنَّ الْآخَرَ فِي خَطَرٍ. وَقَوْمُنَا
بَدَلًا مِنَ التَّجَهُّزِ لِمُوَاجَهَةِ هَذَا الْخَطَرِ يَعْكُفُونَ عَلَى
الطَّبْلِ وَالِاحْتِفَالَاتِ الْفَارِغَةِ، وَعَلَى مَوَاسِمِ التَّرْفِيهِ،
وَعَلَى مُسَابَقَةِ أَجْمَلِ كَلْبٍ، وَلَمْ يَتْرُكُوا سَاقِطًا أَوْ سَاقِطَةً
إِلَّا وَجَلَبُوهُ إِلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِمَّا رَآهُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي مِعْرَاجِهِ **الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ**، يَطُوفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ
سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَهَذَا لَهُ دَلَالَتَانِ:
- أُولَاهُمَا: أَنَّ رَبَّنَا جَلَّ جَلَالُهُ
"مَا يَعْلَمُ جُنُودَهُ إِلَّا هُوَ". وَأَنَّ قُدْرَتَهُ لَا
تَتَوَقَّفُ عَلَى مَا نَعْرِفُهُ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، وَلَا
يَعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ.
- وَثَانِيَهُمَا: أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ
إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ
مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ عَذْبَةُ الْمَاءِ طَيِّبَةُ
التُّرْبَةِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: "سُبْحَانَ اللَّهِ،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ".
فَذِكْرُ اللَّهِ أَقْصَرُ طَرِيقٍ يُوصِلُ إِلَى
الْجَنَّةِ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ
بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي
دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ
لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا
أَعْنَاقَكُمْ؟!" قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "ذِكْرُ اللَّهِ".
فَاذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ
بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي
وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَمِنَ الْمُسَبِّحِينَ
بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي
وَلَكُمْ، فَيَا فَوْزَ الْمُسْتَغْفِرِينَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَسَلَامٌ عَلَى نَبِيِّهِ
الَّذِي اصْطَفَى.
وَمِنَ المَشَاهِدِ العَظِيمَةِ الَّتِي رَآهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِسْرَائِهِ إِلَى المَسْجِدِ
الأَقْصَى وَهُوَ فِي طَرِيقِهِ مَعَ جِبْرِيلَ:
امْرَأَةً عَجُوزا. تُنَادِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، فَالْتَفَتَ إِلَى جِبْرِيلَ وَقَالَ:
"يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذِهِ؟"
فَقَالَ جِبْرِيلُ: "هَذِهِ مَا بَقِيَ مِنَ
الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِ هَذِهِ العَجُوزِ."
ثُمَّ اشْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رِيحًا طَيِّبَةً، فَقَالَ: "يَا جِبْرِيلُ، هَذِهِ رِيحُ
مَنْ؟"
فَقَالَ جِبْرِيلُ: "هَذِهِ رِيحُ مَاشِطَةِ
ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا."
فَإِنَّهَا يَوْمًا كَانَتْ تَمْشُطُ بِنْتَ فِرْعَوْنَ،
فَسَقَطَ المِشْطُ مِنْ يَدِهَا، فَقَالَتْ: "بِسْمِ اللهِ."
فَقَالَتِ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: "أَبِي؟ أَيْ بِسْمِ
أَبِي؟"
فَقَالَتِ المَاشِطَةُ: "بِسْمِ اللهِ رَبِّي
وَرَبِّ أَبِيكِ."
فَانْطَلَقَتِ البِنْتُ إِلَى أَبِيهَا فِرْعَوْنَ
وَأَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَ مِنَ المَاشِطَةِ.
فَقَالَ فِرْعَوْنُ: "أَوَلَكِ رَبٌّ
غَيْرِي؟"
فَقَالَتْ: "نَعَمْ، إِنَّهُ رَبِّي وَرَبُّكَ
وَرَبُّ العَالَمِينَ."
فَأَمَرَ بِهَا وَبِأَوْلَادِهَا، وَأَمَرَ بِقِدْرٍ
عَظِيمٍ فِيهِ زَيْتٌ يَغْلِي.
وَجِيءَ بِهَا وَبِأَوْلَادِهَا الأَرْبَعَةِ،
فَطُرِحُوا فِي الزَّيْتِ وَهِيَ تَنْظُرُ. حَتَّى إِذَا وَصَلَ إلى الرَّابِعِ
وَكَانَ رَضِيعًا، تَلَكَّأَتِ الأُمُّ، فَنَظَرَ الوَلَدُ إِلَيْهَا وَقَالَ:
"يَا أُمَّاهُ، أَقْدِمِي، إِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ
الآخِرَةِ." فَاقْتَحَمَتِ الزَّيْتَ.
فَقَالَ جِبْرِيلُ: "هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ
ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا."
وَيَرَى نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَقْوَامًا تُرَضَّخُ رُؤُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ وَالحِجَارَةِ، يُجْعَلُ الرَّأْسُ
عَلَى الأَرْضِ، وَيُؤْتَى بِصَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ، ثُمَّ يُضْرَبُ فِيهَا الرَّأْسُ
حَتَّى يَتَفَتَّتَ، فَمَا أَنْ تُرْفَعَ حَتَّى يَعُودَ الرَّأْسُ كَمَا كَانَ.
فَقَالَ: "يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟"
فَقَالَ جِبْرِيلُ: "هَؤُلَاءِ الَّذِينَ
تَتَثَاقَلُ رُؤُوسُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ."
وَإِنَّ مِنْ أَبْرَزِ الدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ
الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ الْخَالِدَةِ:
- ابْتِدَاءُ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ بِكَلِمَةِ
"سُبْحَانَ" وَهُوَ التَّنْزِيهُ وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ تَعَالَى
صَاحِبِ السُّلْطَانِ، فَكَانَتِ الْمُعْجِزَةُ كُلُّهَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ
تَعَالَى، فَالْأُمَّةُ الَّتِي تُسَبِّحُ رَبَّهَا وَتُعَظِّمُهُ هِيَ الْأُمَّةُ
الَّتِي تَسْتَحِقُّ النَّصْرَ.
- وَفِي كَلِمَةِ "أَسْرَى" دَلَالَةٌ عَلَى
أَنَّ تِلْكَ الرِّحْلَةَ كَانَتْ لَيْلًا، وَأَنَّ الْمَسِيرَ فِي اللَّيْلِ
يَطْوِي الْأَرْضَ طَيًّا، فَوَاضِعُ نِظَامِ الْكَوْنِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ
يُسْرِيَ بِعَبْدِهِ وَيَعْرُجَ بِهِ فِي لَحْظَةٍ زَمَنِيَّةٍ بَسِيطَةٍ لَا
يُقْوَى أَيُّ مَخْلُوقٍ عَلَيْهَا.
- وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "أَسْرَى
بِعَبْدِهِ" دُونَ أَنْ يَقُولَ رَسُولَهُ أَوْ نَبِيَّهُ مَا يُشِيرُ إِلَى
أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى شَرَفٌ عَظِيمٌ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ
لَنْ يَبْلُغَ هَذَا الشَّرَفَ إِلَّا إِذَا كَانَ عَبْدًا لِلَّهِ وَحْدَهُ.
- وَفِي تَقَدُّمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِلْإِمَامَةِ بِإِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، أَشارَ
المُفَسِّرُونَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَتَوَلَّى أَمْرَ قِيَادَةِ
الْبَشَرِيَّةِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ تَبَعًا لِلْغَرْبِ وَلَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ رُوَيْبِضاتِ
هَذَا الْعَصْرِ.
- وَمِنَ الدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ لِهَذِهِ
الْمُعْجِزَةِ، أَنَّ لِلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَلِبَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَلِفِلَسْطِينَ وَمَا حَوْلَهَا مَكَانَةً عَظِيمَةً فِي دِينِنَا، وَالَّتِي
لَنْ يُثْنِيَنَا عَنْ تقديسها وتَحْرِيرِهَا كُلُّ الْمُؤَامَرَاتِ
وَالْمُؤْتَمَرَاتِ وَالتَّنَازُلَاتِ الَّتِي تُعْقَدُ فِي أَيِّ مَكَانٍ وَفِي
أَيِّ زَمَانٍ.
إِنَّهَا
الأَرْضُ المَبَارَكَةُ، الَّتِي بَارَكَ اللهُ حَوْلَهَا:
"سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ
الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ
هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ."
أَرْضُ
الأَنْبِيَاءِ، وَأَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، بَوّابَةُ الأَرْضِ إِلَى
السَّمَاءِ.
وَهِيَ أَرْضُ الجِهَادِ وَالسَّيْفِ وَالقِتَالِ. إلى
أن يشاءَ الله "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ".
وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ
أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ بَدَأَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَثَنَّى بِمَلَائِكَةِ
قُدْسِهِ، وَثَلَّثَ بِكُمْ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا﴾.
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى
نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَسَلَّمْتَ
وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ
مَجِيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ
وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ
وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ
وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ
اللَّهُمَّ انصر المجاهدين فِي فِلَسْطِينَ، اللَّهُمَّ
انْصُرهم في غزة وفي جنين.
اللهم انصرهم في السودان وفي اليمن، وفي كل مكان يذكر
فيه اسمك الكريم.
اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ وَلَا تُعِنْ عَلَيْهِمْ،
وَمَكِّنْ لَهُمْ وَلَا تُمَكِّنْ مِنْهُمْ، وَانْصُرْهُمْ وَلَا تَنْصُرْ
عَلَيْهِمْ
اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِالْإِسْلَامِ
وَالْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَوَفِّقْهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ
وَمَنْ أَرَادَ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ شَرًّا
فَخُذْهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بالصهاينة وَمَنْ وَالَهُمْ /
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بالصهاينة وَمَنْ نَاصَرَهُمْ / ومن طبع معهم
اللَّهُمَّ لَا تَرْفَعْ لَهُمْ رَايَةً / وَلَا
تُحَقِّقْ لَهُمْ غَايَةً / وَاجْعَلْهُمْ عِبْرَةً وَآيَةً.
اللَّهُمَّ مَلِكَ الْبِلَادَ أَرِهِ الْحَقَّ حَقًّا
وَارْزُقْهُ اتِّبَاعَهُ / وَأَرِهِ الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْهُ
اجْتِنَابَهُ
وَهَيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، إِنْ نَسِيَ
ذَكَّرُوهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانُوهُ.
وَأَنْتَ يَا أَخِي أَقِمِ الصَّلَاةَ.
تعليقات
إرسال تعليق