فلا تظلموا فيهن أنفسكم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

عنوان خطبة الجمعة الموحد

(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)

 الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، الحمد لله الذي أمات وأحيا وأضحك وأبكى، له الحمد سبحانه بما خلقنا ورزقنا وهدانا وعلمنا

كفانا فخرا أن تكون لنا ربا، وكفانا عزا أن نكون لك عبيدا

ومما زادني شرفًا وتيها       وكدت بأخمصي أطؤ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي    وأن صيرت أحمد لي نبيا

سبحانك سبحانك

ما في الوجود سواك ربُّ يعبد             كلا ولا مولىً هناك فيحمدُ

رباه إنّ السيل قد بلغ الزُّبا            والأمر عندك بين الكاف والنون

يا من أحال النار حول خليله             روحًا وريحانًا بقولك كوني

يا من أمرت الحوت يلفظ يونسًا              وسترته بشجيرة اليقطين

رباه إنا مثله في شدة                  فارحم عبادًا كلهم ذو النون

وأصلي وأسلم وأبارك على سيدي وحبيبي ونبيي محمد صلوات الله وسلامه عليه، هذا النبي الذي طلع في أفق الوجود بدره، وسطعت به شمسه، صنّع الرّجال وخرّج الأبطال وكان قدوة الناس في الميدان، فبأبي وأمي وروحي أنت يا رسول الله.

عباد الله:

أوصيكم ونفسيَ المقصرةَ بتقوى الله، لقوله جلّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾

أما بعد:

لا زلنا في سياق الحديث عن شهر رجبِ الحرام، الذي قال عز وجل فيه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ ﴾.

فقد نهى الله تعالى عن الظلم مطلقاً عاماً كان أو خاصاً. يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما؛ فلا تظالموا...).

 

 

وإن من أعظمِ الأعمالِ التي يبتعد فيها المرءُ عن ظلمِ نفسِهِ، أن يتوجه إلى رَبِّهِ جلّ وعلا بالتوبةِ النصوح، وأن يلتزم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةً نَّصُوحًا﴾ فيسارع بالتوبة إلى الله والإقلاعِ فوراً عمّا هو فيه من ظلمٍ لنفسه أو للآخرين.  وأن يَرُدَّ الحقوقَ والمظالمَ لأصحابها قبل فواتِ الأَوان. فاليومَ عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل، والحذرَ كلَّ الحذرِ أن يكون المرء من المفلسين الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما المفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ. فقال: إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا. فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه. فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخَذَ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ).

لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِراً                  فَالظُلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَدَمِ

تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِــهٌ                  يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ

ولا يحسبنّ الظالمُ أنه ينجو بظلمه. فالظلم ظلمات تودي بهلاك الظالمين. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُمْلِي لِلظّالِمِ، فإذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: (وكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ، إذا أخَذَ القُرَى وهي ظالِمَةٌ - إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ).

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الترمذي وأحمد: (ثلاثٌ أُقسِمُ عليهنَّ وأُحدِّثُكم حديثًا فاحفظوه منها:...ولا ظُلِم عبدٌ مظلمةً فصبر عليها إلَّا زاده اللهُ عزًّا).

أيها الجمع الكريم:

لقد رغّبَ اللهُ عزَّ وجلَّ بالتوبة، وحثَّ عليها، ووعدَ بقبولها بشروطها، قال تعالى:

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ)

لذا وجب علينا التوبةُ إلى الله عزّ وجل، والتمسك بالكتاب والسنة، والبعد عن كبائر الذنوب وصغيرها، ليحفظنا الله من شرور أعدائنا ومكرهم وكيدهم، فإنّ أعداء الإسلام لن ينالوا من المسلمين إلا بغياب التوبة النصوح.

خلِّ الذنوبَ صغيرَها وكبيرَها ذاكَ التُقى
واعمل كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يَرى
لا تحقرنّ صغيرة إنّ الجبال من الحصى

عبادَ الله:

إنّ من رحمة الله بنا أنه –سبحانه- واسع المغفرة، يُـمْهِلُ عبادَه المؤمنين المقصرين، ويدعوهم للتوبة والإنابة إليه، حيث قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(

فلنسارع بالتوبة إلى الله، ولنراقبه جل وعلا في جلّ حركاتنا وسكناتنا، حتى لا يرانا على حال يغضبه، أو يورث عقوبته وانتقامه، لعلنا نكون من المحسنين المخبتين، فالله يفرح بتوبة عباده، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً            فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوك أَعْظَمُ

إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلاَّ مُحْسِنٌ             فَبمَن يلوذُ ويستجيرُ المجرمُ

أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرتَ تَضَرُّعاً                 فَإِذَا رَدَدَّتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ

مَالِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلاّ الرَّجَا                وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسلام على نبيه الذي اصطفى

عباد الله: اعلموا أن التوبةَ من الذنوب والمعاصي تتضمنُ مجموعةً من الشروط التي يجبُ أن تتوفرَ فيها لقبولها، وهي:

الإخلاص لله عز وجل، والإقلاع عن الذنب، والندم على المعصية، وعدم الرجوع إليها، وأن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى الغرغرة عند الموت.

وأن يدعو الإنسانُ ربه بأن يثبته على دينه، وأن لا يستهين بالدعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة". فهو السلاح الذي لا يُكسر، والحصن الذي لا يهدم، والقوة التي لا تقهر.

ومن هنا نذكركم بأن لا تنسوا إخوانكم المجاهدين والمرابطين والمستضعفين في فلسطين، وأن تدعوا لهم في حلكم وترحالكم وفي جميع أوقاتكم.

روى ابن كثير في تفسير قوله تعالى: "أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء" قصة التاجر الذي اعترضه قاطع الطريق.

فبينما كان التاجر يسير في الصحراء ومعه ماله وتجارته وبضاعته إذ اعترضه قاطع طريق، فقال له يا هذا أريد أن آخذ مالك وتجارتك وبضاعتك ثمّ أقتلك، فقال التاجر: لك مالي ولك بضاعتي وتجارتي فخلي سبيلي ولا تقتلني، قال لا، لابدّ أن أقتلك، فحين تأكد يقينًا أنه قاتله لا محالة قال دعني أصلي ركعتين أختم بهما حياتي، فقال لك ذلك.

يقول التاجر: حتى إذا كبرت للصلاة نسيت كل آيات القرآن الكريم، ونسيت حتى سورة الفاتحة، ومن شدة خوفي وارتباكي لم أتذكر إلا قوله تعالى: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء" يقول فأخذت أرددها في وقوفي وفي ركوعي وفي سجودي، حتى إذا صرت في السجود قلت يا رب: يا من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، أنا المضطر وأنت المجيب وهذا الظالم، يقول فسمعت صوت قعقعة خلفي فإذا بفارس مقنع يضرب عنق ذلك قاطع الطريق ويلقي به جثة هامدة ويقف على صدره فقلت لله درك من أنت؟ قال أنا جندي من جنود قوله تعالى: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء".

فيا من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء نحن المضطرون وأن المجيب وهؤلاء اليهود والأمريكان وكل من يدور في فلكهم، أولئك هم الظالمون.

اولئك حالهم كحال كلب الصيد في القصة المعروفة التي راح يركض بها خلف غزال، فحين تصاوب الغزال أرسل صاحب الكلب كلبه ليلحق به ويأتي له به، فهرب الغزال، ولحق به الكلب، وكلما زاد الزمن زادت المسافة بين الغزال والكلب، فنظر الغزال إلى الكلب وقال بسخرية: أيها الكلب لن تلحق بي، فقال الكلب ولماذا؟

قال الغزال: أما أنا فأركض لنفسي ولمصلحتي، وأما أنت فتركض لنفس غيرك ولمصلحة غيرك.

 

كما وأكثروا أحبتي في الله من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل) لاسيما عند لقاء العدو، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾.

 

واعلموا عباد الله أن الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، وثلث بكم فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

 

لبيك اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آل محمد، كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

 

وارض اللهم عن الصحابة والتابعين

وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين

اللهم انصر الإسلام والمسلمين

وأذل الشرك والمشركين

ودمر أعداء الدين

اللهم ارفع ما حل بإخواننا في فلسطين، اللهم انصر المجاهدين، وارحم المستضعفين

اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، ومكن لهم ولا تمكن منهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم

اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرا فوفقه إلى كل خير

ومن أراد بالإسلام والمسلمين شرًا فخذه أخذ عزيز مقتدر

اللهم عليك باليهود ومن والهم / اللهم عليك باليهود ومن ناصرهم

اللهم لا ترفع لهم راية / ولا تحقق لهم غاية / واجعلهم عبرة وآية.

اللهم ملك البلاد أره الحق حقًا وارزقه إتباعه / وأره الباطل باطلًا وارزقه اجتنابه

وهيئ له البطانة الصالحة، إن نسي ذكروه، وإن ذكر أعانوه.

وأنت يا أخي أقم الصلاة.