بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(تَبُوكُ – انْتِصَارُ غَزَّةَ)
الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَضْحَكَ وَأَبْكَى، لَهُ الْحَمْدُ سُبْحَانَهُ بِمَا
خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا وَهَدَانَا وَعَلَّمَنَا.
كَفَانَا
فَخْرًا أَنْ تَكُونَ لَنَا رَبًّا، وَكَفَانَا عِزًّا أَنْ نَكُونَ لَكَ
عَبِيدًا.
وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيْهًا **
وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي **
وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيًّا
سُبْحَانَكَ
سُبْحَانَكَ
مَا
فِي الْوُجُودِ سِوَاكَ رَبُّ يُعْبَدُ ** كَلَّا وَلَا مَوْلًى هُنَاكَ
فَيُحْمَدُ
رَبَّاهُ
إِنَّ السَّيْلَ قَدْ بَلَغَ الزُّبَى ** وَالْأَمْرُ عِنْدَكَ بَيْنَ الْكَافِ
وَالنُّونِ
يَا
مَنْ أَحَالَ النَّارَ حَوْلَ خَلِيلِهِ ** رَوْحًا وَرَيْحَانًا بِقَوْلِكِ
كُونِي
يَا
مَنْ أَمَرْتَ الْحُوتَ يَلْفِظُ يُونُسًا ** وَسَتَرْتَهُ بِشَجِيرَةِ
الْيَقْطِينِ
رَبَّاهُ
إِنَّا مِثْلَهُ فِي شِدَّةٍ ** فَارْحَمْ عِبَادًا كُلَّهُمْ ذُو النُّونِ
وَأُصَلِّي
وَأُسَلِّمُ وَأُبَارِكُ عَلَى سَيِّدِي وَحَبِيبِي وَنَبِيِّي مُحَمَّدٍ
صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي طَلَعَ فِي
أُفُقِ الْوُجُودِ بَدْرُهُ، وَسَطَعَتْ بِهِ شَمْسُهُ، صَنَّعَ الرِّجَالَ
وَخَرَّجَ الْأَبْطَالَ وَكَانَ قُدْوَةَ النَّاسِ فِي الْمَيْدَانِ، فَبِأَبِي
وَأُمِّي وَرُوحِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ.
عِبَادَ
اللهِ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللهِ، لِقَوْلِهِ جَلَّ
وَعَلَا:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أَمَّا
بَعْدُ:
مازَالَتْ
نِعَمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَتَنَزَّلُ عَلَيْنَا فِي رَجَبٍ، وَما زِلْنَا
نَسْتَبْشِرُ بِشَهْرِ رَجَبٍ، وَنَسْتَذْكِرُ فِيهِ الْانْتِصَارَات، وَلا ننسى
فِيهِ مَجْدًا تَلِيدًا كَانَ لِأُمَّتِنَا، نَسْتَذْكِرُ فِيهِ حِطِّينَ، وَنَقفُ
على الْإِسْرَاءَ وَالْمِعْرَاجَ، وَنستذكر فِيهِ تَبُوكَ.
تِلْكَ
الْغَزْوَةُ الَّتِي سَمَّاهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْعُسْرَةِ، فَهِيَ
عُسْرَةٌ فِي زَمَانِهَا: صَيْفٌ وَشِدَّةُ حَرٍّ، وَعُسْرَةٌ فِي بُعْدِ
الْمَسِيرِ، وَعُسْرَةٌ فِي الْعُدَّةِ وَالْعَتَادِ.
خَرَجَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ
لِيُوَاجِهَ الرُّومَ وَمَنْ وَالَاهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ
كَانُوا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً عَنْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَوْ
عَاصَرَ الْمُنَافِقُونَ الْيَوْمَ تِلْكَ الْغَزْوَةَ - لَقَالُوا كَيْفَ لَنَا
أَنْ نُوَاجِهَ هَذَا الْعَدَدَ وَنَحْنُ أَقَلُّ مِنْهُمْ عَدَدًا وَعُدَّةً،
وَلَقَالُوا ﴿غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ﴾.
اقْتَضَتْ
حِكْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ فِي خِلَافٍ
دَائِم - وَصِرَاعٍ مُسْتَمِرٍّ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَنْ
عَلَيْهَا.
كُلُّ
ذَلِكَ لِيَميزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.
فَمُنْذُ
بَزَغَ نَجْمُ هَذَا الدِّينِ - وَأَعْدَاؤُهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ يُحَاوِلُونَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِكُلِّ مَا
يَسْتَطِيعُونَ ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ
مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
حَاوَلَ
أَعْدَاءُ هَذَا الدِّينِ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا أَفْلَحُوا.
وَحَاوَلُوا
فِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَمَا أَفْلَحُوا.
ثُمَّ
فِي الْعُصُورِ الْمُتَأَخِّرَةِ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا وَهُمْ يُحَاوِلُونَ
دَائِبِينَ بِالْعُنْفِ وَالصِّرَاعِ الْمُسَلَّحِ تَارَةً
وَبِالْمَكْرِ
وَالْخَدِيعَةِ وَالْمُؤَامَرَةِ تَارَةً أُخْرَى.
﴿وَلَا
يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ
اسْتَطَاعُوا﴾.
﴿وَلَنْ
تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.
هَذِهِ
شَهَادَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَعْدَائِنَا بِمَا يُرِيدُونَهُ مِنَّا.
وَأَيُّ
شَهَادَةٍ أَعْظَمُ مِنْ شَهَادَةِ اللهِ وَأَصْدَقُ؟
وَالتَّارِيخُ
فِي مَاضِيهِ وَحَاضِرِهِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ.
لَا الْغَرْبُ يَقْصِدُ عِزَّنَا كَلَّا وَلَا ** شَرْقُ
التَّحَلُّلِ إِنَّهُمْ كَالْحَيَّةِ
الْكُلُّ يَقْصِدُ ذُلَّنَا وَهَوَانَنَا ** أَفَغَيْرَ رَبِّي مُنْقِذٌ مِنْ شِدَّتِي؟
يَوْمَ
يُقَلِّبُ الْمَرْءُ صَفَحَاتِ الْمَاضِي الْمَجِيدِ ثُمَّ يَنْظُرُ لِوَاقِعِنَا
وَيُقَارِنُهُ بِمَاضِينَا يَتَحَسَّرُ.
يَتَحَسَّرُ
يَوْمَ يَرَى الْبَوْنَ شَاسِعًا وَالْفَرْقَ عَظِيمًا.
يَتَحَسَّرُ
يَوْمَ يَرَى الْأُمَّةَ الَّتِي كَانَتْ قَائِدَةً وَقَدْ أَصْبَحَتْ تَابِعَة -
حِينَمَا ابْتَعَدَتْ عَنْ شَرْعِ رَبِّهَا.
وَيَتَسَاءَلُ
الْمَرْءُ مَتَى يَنْزَاحُ هَذَا السَّوَادُ الْحَالِكُ مِنَ الذُّلِّ
وَالْمَسْكَنَةِ؟
مَتَى
يَنْبَرِي لِلْأُمَّةِ مَنْ يُخَلِّصُهَا مِنَ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ؟
وَمَتَى
تَحْيَا فِي الْقُلُوبِ آلُ عِمْرَانَ وَالْأَنْفَالُ وَبَرَاءَةُ؟
﴿قُلْ
عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾.
وَإِنَّا لَنَرْجُو اللهَ حَتَّى كَأَنَّنَا ** نَرَى
بِجَمِيلِ الظَّنِّ مَا اللهُ صَانِعُ
وَبِالْعَوْدَةِ
إِلَى سِيرَةِ الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي
مَا شَهِدَ الْعَالَمُ دَعْوَةً كَدَعْوَتِهِ، وَلَمْ يُؤَرِّخِ التَّارِيخُ عَنْ
مُصْلِحٍ أَعْظَمَ مِنْهُ.
رُوحِي الْفِدَاءُ لِمَنْ أَخْلَاقُهُ شَهِدَتْ
**
بِأَنَّهُ خَيْرُ مَبْعُوثٍ مِنَ
الْبَشَرِ.
بِالْعَوْدَةِ
إِلَى أَحْدَاثِ غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ، الَّتِي تَسَاقَطَ فِيهَا الْمُنَافِقُونَ
وَثَبَتَ فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ وَذَلَّ فِيهَا الْكَافِرُونَ، بَلَغَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّومَ تَتَجَمَّعُ لِحَرْبِهِ
وَلِتَهْدِيدِ الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يُرِيدُونَ
مُبَادَرَتَهُ بِالْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُبَادِرَهُمْ لِكَوْنِهِ أَذَاقَهُمْ
مَرَارَةَ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ الَّتِي جَلَبُوا لَهَا مِئَتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ
وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ هَزِيمَةِ ثَلَاثَةِ آلَافٍ.
كُنَّا جِبَالًا فِي الْجِبَالِ وَرُبَّمَا **
سِرْنَا عَلَى مَوْجِ الْبِحَارِ بِحَارًا.
عِنْدَ
ذَلِكَ أَعْلَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ
عَنْ مَقْصَدِه، وَأَعْلَنَ التَّعْبِئَةَ الْعَامَّةَ فَتَجَهَّزَ أَقْوَامٌ
وَأَبْطَأَ آخَرُونَ.
تَجَهَّزَ
ثَلَاثُونَ أَلْفًا قَدْ بَاعُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَى اللهِ وَأَعْلَنُوا نُصْرَةَ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.
تَسَاقَطَ
الْمُنَافِقُونَ ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ
شَيْئًا﴾.
ليقومَ
أَحَدُ الْمُنَافِقِينَ - يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هَلْ لَكَ فِي بِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ؟ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ
ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي، فَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنَّهُ مَا مِنْ رَجُلٍ
أَشَدُّ عَجَبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ
بَنِي الْأَصْفَرِ أَلَّا أَصْبِرُ.
فَرَّ
مِنَ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ وَقَعَ. أَعْرَضَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَعَذَرَهُ لَكِنَّ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ، وَالَّذِي
لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ فَضَحَهُ
وَأَذَلَّهُ وَأَنْزَلَ فِيهِ قُرْآنًا يُتْلَى، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ
لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ
لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾.
وَيتَخَلَّفُ
آخَرُونَ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَكِنْ غَلَبَتْهُمْ نُفُوسُهُمْ لِصُعُوبَةِ الظُّرُوفِ وَاشْتِدَادِ الْحَرْ،
فَاعْتَذَرُوا بَعْدَ عَوْدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَبِلَ عُذْرَهُمْ وَتَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَأَرْجَأَ تَوْبَةَ ثَلَاثَةٍ
مِنْهُمُ امْتِحَانًا لَهُمْ، حَتَّى: ﴿ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا
رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ
اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
وَيَأْتِي
سَبْعَةُ رِجَالٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ فُقَرَاءَ لَا يَجِدُونَ
زَادًا وَلَا رَاحِلَةً، وَعَزَّ عَلَيْهِمُ التَّخَلُّفُ، نِيَّاتٌ صَادِقَةٌ
لَكِنْ لَيْسَ هُنَاكَ عُدَّةٌ، فَأَتَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللهِ لَا زَادَ وَلَا رَاحِلَةَ،
وَيَبْحَثُ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَادٍ
وَرَاحِلَةٍ فَلَا يَجِدُ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُونَ وَأَعْيُنُهُمْ
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ.
وَيَخْرُجُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ.
وَيَأْتِي
الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ لَا يَتْرُكُونَ دَسَائِسَهُمْ عَلَى مَرِّ الْأَيَّامِ
يَلَاحِقُونَ أَهْلَ الْخَيْرِ وَالِاسْتِقَامَةِ يَلْمِزُونَ وَيَهْمِزُونَ
وَيَسْخَرُونَ "سَخَّرَ اللهُ مِنْهُمْ".
وَقَبْلَ
سَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَيْشِ تَقُومُ فِرْقَةٌ
لِلصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِتَثْبِيطِ النَّاسِ لِيَقُولُوا
"لَا
تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ"، وَيَتَوَلَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الرَّدَّ
عَلَيْهِمْ "قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا
يَفْقَهُونَ".
وَيُقِيمُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ وَيَدْنُ مِنَ الرُّومِ وَيُكَاتِبُ
رُسُلَهُمْ وَيَفْرِضُ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَقَدْ نَصَرَهُ
اللهُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ.
وَقَدْ
كَانُوا مِنْ قَبْلُ قَدْ عَزَمُوا عَلَى غَزْوِهِ فِي عُقْرِ دَارِهِ،
"إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا".
وَهَكَذَا
نَصَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ وَجُنْدَهُ وَعِبَادَهُ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا، وَيَنْصُرُهُمْ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ.
وَهَنَا
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْمَدِينَةِ رِجَالًا مَا
سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا وَلَا وَطِئْتُمْ مَوْطِئًا يُغِيظُ
الْكُفَّارَ إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَهُمْ
بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ نَعَمْ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ.
هَذِهِ
غَزْوَةُ تَبُوكَ قَائِدُهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَجُنُودُهَا صَحَابَتُهُ رُضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، عَزَّ فِيهَا
الْمُؤْمِنُونَ، وَذَلَّ فِيهَا الْكَافِرُونَ، وَسَقَطَ فِيهَا الْمُنَافِقُونَ.
يَا مَنْ نَصَرْتَ بِمَاضٍ ضَعْفَ أُمَّتِنَا ** عَلَى
الطَّوَاغِيتِ عَجِّلْ نَصْرَنَا الثَّانِيَ.
وَلَئِنِ
انْتَهَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ - فَمَا انْتَهَى نُورُهَا وَمَا انتهتْ مَوَاعِظُهَا.
فِي
الْوَقْتِ الَّذِي تَشَابَكَتْ بِأُمَّةِ الْإِسْلَامِ حَلَقَاتٌ مِنَ الْمِحَنِ،
وَتَقَاذَفَتْهَا أَمْوَاجٌ مِنَ الْفِتَنِ، وَصِيحَ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ،
وَتَدَاعَى عَلَيْهَا الْأَكَلَةُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ.
وَأَوَّلُ
دُرُوسِ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةُ جِهَادٍ وَمُجَاهَدَةٍ،
وَصَبْرٍ وَمُصَابَرَةٍ، وَمَتَى مَا تَرَكَتِ الْجِهَادَ ضُرِبَتْ عَلَيْهَا
الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ.
دَعِ الْمِدَادَ، وَسَطِّرْ بِالدَّمِ
الْقَانِي ** وَأَسْكِتِ الْفَمَ، وَاخْطُبْ بِالْفَمِ
الثَّانِي.
وَثَانِيهَا
أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْقُوَّةَ وَالْعِزَّةَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ
مَتَى مَا صَدَقَتْ وَأَخْلَصَتْ، فَهَا هِيَ دَوْلَةُ الْإِسْلَامِ النَّاشِئَةُ
تَقِفُ فِي وَجْهِ الْكُفْرِ كُلِّهِ، فَتَهْزِمُهُ وَتَنْتَصِرُ عَلَيْهِ
﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾.
وَمِنْ
هَذِهِ الدُّرُوسِ: أَنَّهُ مَا تَسَلَّلَ الْعَدُوُّ سَابِقًا وَلَاحِقًا إِلَّا
مِنْ خِلَالِ الصُّفُوفِ الْمُنَافِقَةِ، وَلَمْ يَكُنِ الضَّعْفُ وَالتَّفَرُّقُ
فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا مِنْ قِبَلِ أَصْحَابِ الْمَسَالِكِ
الْمُلْتَوِيَةِ، ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾.
وَمِنْهَا
أَنَّ مُوَاجَهَةَ الْأَعْدَاءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَكَافُؤُ الْقُوَّةِ
وَإِنَّمَا يَكْفِي أَنْ يُعِدَّ الْمُؤْمِنُونَ مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قُوَّةٍ،
ثُمَّ يَثِقُوا بِاللهِ وَيَثْبُتُوا وَيَصْبِرُوا.
وَمِنْهَا
أَنَّ الْأَعْدَاءَ لَنْ يَرْكَنُوا إِلى السُّكُونَ، وَلَنْ يَصْرِفُوا
أَنْظَارَهُمْ عَنْ دَوْلَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَهُمْ
يَجْمَعُونَ أَمْرَهُمْ وَشُرَكَاءَهُمْ "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ
وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ".
وَمِنْ
هَذِهِ الدُّرُوسِ: أَنَّهُ مَتَى مَا حَادَتِ الْأُمَّةُ عَنْ عَقِيدَتِهَا
وَتَعَلَّقَتْ بِهَذَا أَوْ بِذَاكَ إِلَّا وَتَقَلَّبَتْ فِي ثَنَايَا
النَّكَبَاتِ وَالْإِهَانَاتِ، حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى رَبِّهَا.
مَنْ يَتَّقِ اللهَ وَيَنْصُرْ دِينَهُ ** لَا
بُدَّ فِي سَاحِ الْمَعَارِكِ يُنْصَرُ.
وَإِنَّ
مَنْ لَا يَذُودُ عَنْ دِينِهِ وَمَحَارِمِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لِدِينِهِ ذَلِيلٌ
حَقِيرٌ غَيْرُ حَقِيقٍ بِالْعِزَّةِ.
نَسْأَلُ
اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتَخْدِمَنَا وَلَا يَسْتَبْدِلَنَا.
أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَيَا فَوْزَ الْمُسْتَغْفِرِينَ
اسْتَغْفِرُوا اللهَ.
الْخُطْبَةُ
الثَّانِيَةُ:
اللهُ
أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
اللهُ
أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
اللهُ
أَكْبَرُ كَبِيرًا – وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَسُبْحَانَ
اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ – صَدَقَ وَعْدَهُ – وَنَصَرَ عَبْدَهُ – وَأَعَزَّ
جُنْدَهُ – وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ
بَعْدَ
أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ
شَهِيدٍ، وَعَشَرَاتِ الْآلَافِ مِنَ الْمَفْقٌودِينَ.
أَطْفَالٌ
وُلِدُوا وَمَاتُوا فِي الْحَرْبِ.
وَأَبْطَالٌ
صَدَقُوا مَعَ اللهِ فَصَدَقَ اللهُ مَعَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ.
نُشْهِدُ
اللهَ تَعَالَى، وَنَشْهَدُ لَكُمْ يَا أَهْلَ غَزَّةَ أَنَّكُمْ صَدَقْتُمْ مَعَ
اللهِ فَصَدَقَ اللهُ مَعَكُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ الْفَاصِلَةِ. فِي مَعْرَكَةِ
الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، إِنَّهَا الْمَعْرَكَةُ الَّتِي تَجَمَّعَ فِيهَا
الْكُفْرُ كُلُّهُ، وَالتقى فِيهَا أَهْلُ النِّفَاقِ، وَأتَلَفَ فِيهَا
الْمُثَبِّطُونَ، وَتحالفَ فِيهَا الْخَوَنَةُ وَالْمُتَاجِرُونَ بِدِمَاءِ أَهْلِ
غَزَّةَ، وَاحتشدَ فِيهَا الْجُبَنَاءُ، وَتَكتل فِيهَا الْعُمَلَاءُ، عَلَى
الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ.
الْمَعْرَكَةُ
الَّتِي أَرَادُوا فِيهَا إِسْكَاتَ صَوْتِ كُلِّ مُنَاضِلٍ مُجَاهِدٍ شَرِيفٍ.
الْمَعْرَكَةُ
الَّتِي أَرَادُوا مِنْ خِلَالِهَا تَرْكِيعَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
إِنَّهَا
الْفُرْقَانُ مَا بَيْنَ نِفَاقٍ وإِيمَانٍ.
إِنَّ
غَزَّةَ الْفَاضِحَةُ بِثَبَاتِ أَهْلِهَا وَبِقُوَّةِ أَبْطَالِهَا فَضَحَتْ
لَنَا أَهْلَ الْخِيَانَةِ وَالْخِسَّةِ وَالنَّذَالَةِ وَالْعُمَالَةِ.
وَفَضَحَتْ
لَنَا كُلَّ مَنْ تَسَتَّرَ خَلْفَ شِعَارَاتٍ زَائِفَةٍ.
فَضَحَتِ
الَّذِينَ تَسَتَّرُوا بِاسْمِ الدِّينِ. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: (إِنَّ اللهَ لَنْ
يُحَاسِبَكَ عَنْ غَزَّةَ، وَإِنَّمَا سَيُحَاسِبُكَ عَنِ الْبَوْلَةِ).
بِفَضْلِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ وَلَيْسَ بِفَضْلِ أَحَدٍ: انْتَصَرَتْ غَزَّةُ.
فَحَيَّ
اللهُ أَهْلَهَا، أَطْفَالَهَا، نِسَاءَهَا، رِجَالَهَا، حَيَّ اللهُ أَبْطَالَهَا
الَّذِينَ وَاجَهُوا الْعَالَمَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَعاجَزَتْ بِهِ الدُّوَلُ
الْعَرَبِيَّةُ وَالْإِسْلَامِيَّةُ لَيْسَ عَنْ نُصْرَتِهِمْ حِينَ قُتِلُوا
لَيْلَ نَهَارٍ، وَهُدِّمَتِ الْبُيُوتُ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ، بَلْ حِينَ تَعاجَزَتْ
عَنْ إِدْخَالِ الْمَسَاعَدَاتِ إِلَيْهِمْ.
حَيَّ
اللهُ أَبْطَالَهَا ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.
غَزَّةُ
الَّتِي لَوْ تَحَدَّثَ شَمَالُهَا لَلَعَنَ كُلَّ صَامِتٍ عَنْ صُوَرِ
الْإِبَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ فِيه.
وَالْوَاجِبُ
عَلَى شُرَفَاءِ الْأُمَّةِ الْآنَ الَّذِينَ لَمْ يُقَصِّرُوا بِدُعَائِهِمْ
وَدَعْمِهِمُ الْمُسْتَمِرِّ أَنْ يُوَاصِلُوا.
فَهَذَا
النَّصْرُ يَتْبَعُهُ وَاجِبَاتٌ عَمَلِيَّةٌ عَلَى الْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا،
فَرْضُ عَيْنٍ الْآنَ عَلَى الْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا: عَلَى رِجَالِهَا
وَنِسَائِهَا، عَلَى أَغْنِيَائِهَا وَفُقَرَائِهَا، عَلَى الْأَفْرَادِ
وَالْعَوَامِّ، عَلَى كُلِّ الْأُمَّةِ. نَحْنُ نَعِيشُ الْآنَ مَرْحَلَةَ
الْجِهَادِ بِالْمَالِ، فَمَيْتُهُمْ شَهِيدٌ وَحَيُّهُمْ لَا يَزَالُ مُرَابِطًا.
الْآنَ
جَاءَ دَوْرُكُمْ لِيَتَحَقَّقَ عَلَيْكُمْ قَوْلُ رَبِّكُمْ: "انْفِرُوا
خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ
اللهِ" فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا.
وَلَا
تُعَوِّلُوا عَلَى مَنْ كَانَ سَبَبًا فِي تَأَخُّرِ النَّصْرِ.
وَلَا
عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ طِيلَةَ نيّفٍ وسنة - أَنْ يُدْخِلَ أَبْسَطَ
الْمَسَاعَدَاتِ أَوْ أَنْ يَقُولَ كَلِمَةَ حَقٍّ تُسَاهِمُ فِي وَقْفِ نَذَالَةِ
الصهاينةِ وَأَعْوَانِهِمْ.
هَذَا
وَنُوصِيكُمْ بِالاسْتِمْرَارِ في الْمُقَاطَعَةِ، الْمُقَاطَعَةُ الَّتِي آتَتْ
أُكُلَهَا. فَإِيَّاكُمْ أَنْ تَنْخَدِعُوا بِتَغْيِيرِ الْمَصْطَلَحَاتِ
وَالْمَسَمِّيَّاتِ.
فَلَا
تَنْسَوْا كُلَّ مَنْ شَارَكَ بِحَرْبِ الْإِبَادَةِ سَوَاءً مَنْ وَفَّرَ
الْغِطَاءَ السِّيَاسِيَّ وَالْإِعْلَامِيَّ، أو مَنْ قَدَّمَ آلافَ الْأَطْنَانِ
مِنَ الْقَنَابِلِ وَالْمُتَفَجِّرَاتِ الَّتِي أُسْقِطَتْ عَلَى رُؤُوسِ
أَهْلِنَا فِي غَزَّةَ، وَالَّتِي لَوْ أُسْقِطَتْ عَلَى دُوَلٍ عُظْمَى
لَانْهَارَتْ، فِي حِينِ صَمَدَ الْقِطَاعُ:
خُطَّةُ
التَّرْحِيلِ سَقَطَتْ. خُطَّةُ
الْجِنْرَالَاتِ سَقَطَتْ. خُطَّةُ
التَّهْجِيرِ إِلَى سَيْناءَ سَقَطَتْ.
لَنْ
نَنْسَحِبَ مِنْ مِحْوَرِ نِتْسَارِيمَ سَقَطَتْ. لَنْ نَنْسَحِبَ مِنْ مِحْوَرِ
فِيلِدَلْفِيَا سَقَطَتْ.
سَوْفَ
نَقْضِي عَلَى الْمُقَاوَمَةِ سَقَطَتْ. سَنُحَرِّرُ جَمِيعَ
الْمَخْتُطَفِينَ سَقَطَتْ.
وَبَقِيَتْ
غَزَّةُ شَامِخَةً عَزِيزَةً رَغْمَ دَمَارِهَا.
وَمِنَ
الْمُسَلَّمِ بِهِ: أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُحْتَلٌّ بَقِيَ عَلَى احْتِلَالِهِ –
هَذِهِ حَقِيقَةٌ ثَابِتَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ تَكْذِيبَهَا أَحَدٌ، بِغَضِّ
النَّظَرِ عَنْ عَقِيدَةِ أَصْحَابِ الْأَرْضِ.
وَهَذَا
الِاحْتِلَالُ زَائِلٌ طَالَ الْوَقْتُ أَمْ قَصُرَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَعَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا.
شَكَرَ
اللهُ لَكُمْ يَا أَهْلَ غَزَّةَ، وَشَكَرَ لِثَبَاتِكُمْ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ
بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ.
فَطُوفَانُكُمُ
الَّذِي انْطَلَقَ تَحَرَّرَتْ مِنْهُ الشَّامُ. وَسَيَكْنُسُ الِاحْتِلَالَ
نَهَائِيًّا عَنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، وَسَيَتَحَرَّرُ كُلُّ شِبْرٍ مِنْ بِلَادِ
الْمُسْلِمِينَ بِإِذْنِ اللهِ.
اللَّهُمَّ
اجْعَلْهَا هُدْنَةً كَصُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، يَعْقُبُهَا فَتْحٌ كَفَتْحِ
مَكَّةَ. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ﴾.
هَذَا
وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ بَدَأَ
بِهِ نَفْسَهُ وَثَنَّى بِمَلَائِكَةِ قُدْسِهِ، وَثَلَّثَ بِكُمْ فَقَالَ: ﴿إِنَّ
اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
لَبَّيْكَ
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَسَلَّمْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى
آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَارْضَ
اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ
اللَّهُمَّ
أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ
وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ
اللَّهُمَّ
ارْفَعْ مَا حَلَّ بِإِخْوَانِنَا فِي فِلَسْطِينَ، اللَّهُمَّ انْصُرِ
الْمُجَاهِدِينَ، وَارْحَمِ الْمُسْتَضْعَفِينَ
اللَّهُمَّ
أَعِنْهُمْ وَلَا تُعِنْ عَلَيْهِمْ، وَمَكِّنْ لَهُمْ وَلَا تُمَكِّنْ مِنْهُمْ،
وَانْصُرْهُمْ وَلَا تَنْصُرْ عَلَيْهِمْ
اللَّهُمَّ
مَنْ أَرَادَ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَوَفِّقْهُ إِلَى كُلِّ
خَيْرٍ
وَمَنْ
أَرَادَ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ شَرًّا فَخُذْهُ أَخْذَ عَزِيزٍ
مُقْتَدِرٍ
اللَّهُمَّ
عَلَيْكَ بالصهاينة وَمَنْ وَالَاهُمْ / اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بالصهاينة وَمَنْ
نَاصَرَهُمْ / اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بالصهاينة وَمَنْ طَبَّعَ مَعَهُم.
اللَّهُمَّ
لَا تَرْفَعْ لَهُمْ رَايَةً / وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ غَايَةً / وَاجْعَلْهُمْ
عِبْرَةً وَآيَةً.
اللَّهُمَّ
مَلِّكِ الْبِلَادَ أَرِهِ الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْهُ اتِّبَاعَهُ / وَأَرِهِ
الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْهُ اجْتِنَابَهُ
وَهَيِّئْ
لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرُوهُ، وَإِنْ ذَكَرَ
أَعَانُوهُ. وَأَنْتَ يَا أَخِي أَقِمِ الصَّلَاةَ.
تعليقات
إرسال تعليق