بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان
خطبة الجمعة الموحد
(فضائل شهر
شعبان) (ملزم)
6شعبان1445هـ الموافق 16/2/2024م
الحمد لله الذي خلق فسوى
وقدر فهدى، الحمد لله الذي أمات وأحيا وأضحك وأبكى، له الحمد سبحانه بما خلقنا
ورزقنا وهدانا وعلمنا
كفانا فخرا أن تكون لنا ربا،
وكفانا عزا أن نكون لك عبيدا
ومما زادني شرفًا وتيها وكدت بأخمصي أطؤ الثريا
دخولي تحت قولك يا
عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
سبحانك سبحانك
ما في الوجود سواك ربُّ
يعبد كلا ولا مولىً هناك
فيحمدُ
رباه إنّ السيل قد بلغ
الزُّبا والأمر عندك بين الكاف
والنون
يا من أحال النار حول
خليله روحًا وريحانًا بقولك
كوني
يا من أمرت الحوت يلفظ
يونسًا وسترته بشجيرة اليقطين
رباه إنا مثله في شدة فارحم عبادًا كلهم ذو النون
وأصلي وأسلم وأبارك على سيدي وحبيبي ونبيي محمد صلوات
الله وسلامه عليه، هذا النبي الذي طلع في أفق الوجود بدره، وسطعت به شمسه، صنّع
الرّجال وخرّج الأبطال وكان قدوة الناس في الميدان، فبأبي وأمي وروحي أنت يا رسول
الله.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسيَ المقصرةَ بتقوى الله، لقوله جلّ وعلا:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
عباد الله:
يقول الله
عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا
الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾.
الأيام تمضي، والليالي تطوى، والساعات تأخذ بنا إلى الله
جل جلاله، فنحن قادمون على الله يا عباد الله، نحن قادمون على الله لا شك في ذلك
ولا ريب.
فالعمر ينقضي، ولا بدّ للإنسان من ساعة يغادر فيها هذه
الحياة ليفد على الله بعمله،
فإن قدّم خيرًا فهنيئًا له، وإن وجد غير ذلك فلا يلومنّ
إلا نفسه.
فإنّ من أعظم التوفيق أن يوفق العبد لمعرفة قيمة الوقت
والزمن، فيستثمر كل ساعة في حياته ويستثمر كل لحظة فيما يقربه إلى الله تعالى،
لأنه يعلمُ أنّ هذه الدنيا إلى زوال، وأنّ هذه الدنيا هي دار اختبار، وعلى قدر
الاجتهاد في هذه الدنيا تكون الدرجة ويكون القرب يوم القيامة.
﴿وَلَقَدْ
جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا
خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾
إنّ من تفكر في هذا المصير علم أنّ أعظم الخسارة أن يُضَيّعَ
الإنسانُ هذه الفرصة، أو أن يُضَيّعَ لحظةً من حياته في غير طاعة الله سبحانه
وتعالى.
قال عز وجل: ﴿كلا إذا دكت
الأرض دكا دكا وجاء ربك
والملك صفا صفا وجيء يومئذ
بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا
ليتني قدمت لحياتي﴾
يقول يا ليتني اجتهدت في العبادة، يا ليتني صمت النهار
وقمت الليالي.
فالعاقل والموفَقُ من اغتنم حياتَه قبل موته، من اغتنم
شبابَه قبل هرمه، من اغتنم صِحتَه قبل مَرضِه، من اغتنم غناه قبل
فقره، من اغتنم فراغه قبل شغله.
العاقل والموفق من اغتنم مواسمَ الخير التي مَنّ الله عز
وجل بها على عباده.
ومن هذه المواسم العظيمة، شهر مبارك أظلنا قبل أيام
قليلة، ألا وهو شهر شعبان،
شهركم هذا، الذي له مكانةً عظيمةً عند ربنا عزّ وجل، وكان رسولُنا وقدوتُنا محمد
عليه الصلاة والسلام يُولي هذا الشهر اهتماما كبيرا، فهو شهر الاستعداد لرمضان.
عن أسامةِ بنِ زيد رضي الله عنه، قال: (قلتُ يا رسولَ اللهِ لم أرَك تصومُ من
شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ قال ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ
ورمضانَ وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي
وأنا صائمٌ).
فالأعمال ترفع إلى الله عز وجل على ثلاثة مراحل:
رفع يومي: ويكون في صلاة الفجر والعصر، لذلك هما أعظم
الصلوات لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من صلى البَردين دخل الجنة"، من حافظ
على هاتين الصلاتين في وقتهما أُكرِمَ برؤية وجه الله تبارك وتعالى يوم القيامة،
كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا
القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا
علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا)
الملائكة تتعاقب في هاتين الصلاتين، وتَرفعَ الأعمالَ
إلى الله: أعمالُ الليل وأعمالُ النهار، فيسألهم ربهم وهو أعلم سبحانه وتعالى: كيف
تركتم عبادي؟ فيقولون: يا ربّ تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون، اللهم اجعلنا
منهم يا رب.
أما الرفع الثاني فيكون أسبوعيًا: في يومي الاثنين والخميس.
وقد كان أحد الصالحين يبكي كلّ يوم اثنين وخميس ويقول:
لا أدري أي أعمالي رفعت إلى الله عزّ وجل.
أما الرفع السنوي في الدنيا فيكون في شهر شعبان، صحيفة عامك كلّه، فكيف تحبُّ يا عبد الله أن تعرض
صحيفتك على الله؟ هل هي صحيفة تبيض الوجه أم تسوده؟
كم فيها من سماع للحرام، ونظرة للحرام، ومشي إلى حرام،
ونوم عن الصلوات وأكل للحرام؟
كل هذا سيعرض على الله تبارك وتعالى في هذا الشهر في
الأيام القليلة القادمة، فبادر عبد الله بتبييض صحيفتك، أكثر من الاستغفار والتوبة
والأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة إلى خالقك عز وجل، وخيرُ هذه الأعمال
وتاجُها هو الصلاة على وقتها في المساجد.
وأما العرض النهائي فيكون عند الموت ﴿وَكُلَّ
إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً - اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَىَ
بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾
أنت الذي
سطرت هذا الكتاب، هذه أفعالك وهذه أقوالك ﴿مَا
يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾
ولذلك استحبَ العلماءُ أن يُفعلَ في شعبان كل ما يُفعَلُ
في رمضان.
ومن أبواب الخير في شهر شعبان الصدقة والزكاة لما فيهما
من تفريج على المكروبين وليتقوى بها الفقراء في شهر رمضان. يقول الله تعالى : ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ
يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ
سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن
يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
ومن الأعمال الصالحة في هذا الشهر المبارك سلامة الصدر
من أنواع الشحناء كلها، فمن كان مقصرًا
بحق والديه فليبرهما.
يقول الله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ
كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا
قَوْلًا كَرِيمًا﴾
ومن كان قاطعاً لرحمه فليصلها، يقول صلى الله عليه وسلم:( الرَّحِمُ معلَّقةٌ بالعرشِ
تقولُ: مَن وَصَلني وصلَه اللهُ ومَن قطعني قطعه اللهُ).
ومن أكل مال غيره فليرده إليه، يقول الله تعالى:﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم
بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾.
ومنها أيضًا أن يصونَ المسلمُ لسانَه عن الغيبة والنميمة. يقول الله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ﴾
وأن يبتعد عن الكذب والبهتان،
وأن يحبَّ المرءُ الخيرَ لعباد الله كما يحبه لنفسه. وقد
وصف الله تعالى المؤمنين عموماً. بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن
بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ
سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ
آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾
ويقول صلى الله عليه وسلم : (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ،
حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) فعسى أن ترفع أعمالنا إلى الله في
هذا الشهر وهو بأحسن ما يحب الواحد فينا أن ترفع.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين
استغفروا الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسلام على نبيه الذي اصطفى
أيها الإخوة الكرام:
وجب التنبيه والتنويه إلى أمرين اختلطا على الناس في شهر
شعبان.
أما الأمر الأول: فهو فيما يتعلق بالحديث الذي يتناقله الناس في شهر
شعبان وهو أنّ الله تعالى يطلع على خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا
لمشرك أو مشاحن، وهذا الحديث حديث ضعيف لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم،
فليلة النصف من شعبان لا ميزة لها عن سائر الليالي الأخرى في هذا الشهر، وإنما ورد
هذا السياق في حديث عرض الأعمال على الله عز وجل كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله
عز وجل لكل عبد مؤمن إلا عبدًا بينه وبين أخيه شحناء فيقال: اتركوا هذين حتى
يصطلحا. لذا وجب علينا أن لا نخص هذه الليلة بعبادة أو بعمل نبتدعه اعتقادًا منا
بأنّ لهذه الليلة فضلًا عن غيرها من الليالي.
وأما الأمر الثاني: متعلق بالصيام في النصف الثاني من شهر شعبان،
والاستدلال على ذلك بحديث: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا. فهذا حديث باطل، وللمسلم
أن يصوم في أي يوم من أيام شعبان المهم أن لا يقدم صيام رمضان بيوم أو يومين. فلا
حرج في الصيام في النصف الثاني من شعبان، لا سيما من اعتاد على الصيام أو عليه نذر
أو قضاء.
كما واجعلوا للدعاء في هذا الشهر نصيبًا من أوقاتكم، فادعوا لأنفسكم وللمؤمنين ولأمة الإسلام أن يفرّج الله
كربها، وأن يرفع بلاءها، وكذلك اجعلوا لأهل فلسطين عامة ولأهل غزة خاصة نصيبًا من
دعائكم.
فلعله يتبادر إلى أذهانكم يوميًا تساؤلًا أننا نقف عند
أي مرحلة من مراحل الحرب على غزة؟
فنقول: نحن في أوج مراحل الحرب، إذ في هذه المرحلة يقوى البلاء، وهذه سنّة الله تعالى
في بداية كل صراع ومنتهاه حتى للأنبياء. ألم يقل جلّ وعلا: ﴿حَتَّىٰ يَقُولَ
الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ
نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾
نحن في
مرحلةِ ﴿لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى﴾
نحن في
مرحلةِ ﴿وإنّ الله على نصرهم لقدير﴾
نحن في
مرحلةِ ﴿جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا
عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾
لقد بذل المجاهدون في غزة وفلسطين كلّ جهدهم وجلّ استطاعتهم
وما بقي لهم إلا قول من سبقهم ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ
أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
فلا تهنوا ولا تحزنوا فإنه وعد من الله ولن يخلف الله
وعده، فإنّ الله ناصر عباده لا محاله.
واعلموا عباد الله أن الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به
بنفسه وثنى بملائكة قدسه، وثلث بكم فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
لبيك اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آل محمد،
كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الصحابة والتابعين
وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم انصر الإسلام والمسلمين
وأذل الشرك والمشركين
ودمر أعداء الدين
اللهم ارفع ما حل بإخواننا في فلسطين، اللهم انصر
المجاهدين، وارحم المستضعفين
اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، ومكن لهم ولا تمكن منهم،
وانصرهم ولا تنصر عليهم
اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرا فوفقه إلى كل خير
ومن أراد بالإسلام والمسلمين شرًا فخذه أخذ عزيز مقتدر
اللهم عليك بالصهاينة ومن والهم / اللهم عليك بالصهاينة
ومن ناصرهم
اللهم لا ترفع لهم راية / ولا تحقق لهم غاية / واجعلهم
عبرة وآية.
اللهم ملك البلاد أره الحق حقًا وارزقه إتباعه / وأره
الباطل باطلًا وارزقه اجتنابه
وهيئ له البطانة الصالحة، إن نسي ذكروه، وإن ذكر أعانوه.
أيها الإخوة الكرام، سنقوم في هذا المسجد الطيب أهله
بتغيير السجاد الموجود في الملحق آخر المسجد قبل حلول شهر رمضان المبارك، فجودوا
بما أنعم الله عليكم وأكرم، وبارك الله فيكم.
وأنت يا أخي أقم الصلاة.
تعليقات
إرسال تعليق