بسم الله الرحمن الرحيم
(رمضان شهر
القرآن)
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونستهديه،
ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ
له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ،
يا ربِّ حمداً ليسَ غَيْرُكَ يُحْمَدُ ** يا من لَهُ كُلُّ الخَلائِقِ تَصْمُدُ
أبوابُ غيرِكَ ربنا قد
أوُصدت ** ورأيتُ بابَكَ واسعاً لا يُوصَدُ
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن
محمدًا عبدُه ورسولُ، وصفيه وخليله بلّغ الرسالة , وأدى الأمانة , ونصح الأمة ,
وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد فيا عباد الله:
فلا
زلنا في سياق الحديث عن شهر البركات، شهر المنافسة في الخيرات والطاعات،
وما له من خصوصية وارتباط تام بالقرآن الكريم، فهو الشهر الذي نزل فيه القرآن
جملةً وتفصيلاً. يقول الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾.
ولذلك
كان من السنن المباركات الإكثار من تلاوة القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك، فلا
عجب أن يُكثر المسلمون من تلاوته آناء الليل وأطراف النهار. امتثالاً لقول الله
تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلًا﴾.
ولقول
الله تعالى: ﴿إِنَّ
نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾.
وقد
ورد في سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يؤكد ذلك فقال صلى الله عليه
وسلم: (اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).
ويقول
صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).
ويقول
الحبيب المصطفى (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء
الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)
وينبغي
على قارئِ القرآن أن يتدبر الآيات على قدر استطاعته، فيستحضر أن القرآن كلام الله
وأن الله تعالى يخاطبه بكل آية يقرؤها. فإذا قال الله تعالى: (يا أيها الذين
آمنوا) اسْتَمَعَ، ليعلم ما هو المطلوب منه.
فإن
أمر الله تعالى بالتقوى، فإنه يحرص على أن يكون من المتقين.
وإن
أمر الله تعالى بطاعته، كان ملبياً لها.
وإن
نهى عن معصية انتهى عنها فوراً. حتى يكون مقتدياً برسولنا صلى الله عليه وسلم الذي
كان خُلُقُهُ القرآن.
وقد
كان السلف الصالح يتلو الواحد منهم الآية الواحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها
عند القراءة.
أيها الجمع الكريم:
إن شهر رمضان ليس شهرًا للقران فحسب، وإنما شهرُ
الفتوحات والانتصارات، شهرٌ مَنَّ الله عز وجل فيه على نبيه وصحابته بيوم الفرقان.
والانتصار بأول معركة وأول قتال بين النبي صلى الله عليه
وسلم والمشركين، كان في اليوم السابع عشر من رمضان.
حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم مُعدًّا العُدّة, وجهز
الصحابة رضوان الله عليهم، وجعل يُهيئ نفسه وجنودَه لمعركة فاصلة، وهم صائمون.
وهم صائمون، كان النبي صلى الله عليه وسلم، يمشي في شوارع المدينة،
قابل حارثة الأنصاري، شاب لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره. فيسأله كيف أصبحت يا
حارثة؟ قال: أصبحت مؤمنًا حقًا يا رسول الله.
قال: انظر ما تقول فإنّ لكل قول حقيقة، فما حقيقة قولك؟
قال: يا رسول الله أصبحت أُظمِئُ نهاري، وأسهر ليلي،
وعزفت عن الدنيا. وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة
يتنعمون فيها، وإلى أهل النار يتعذبون فيها. ثمّ قال: يا رسول الله ادعُ الله
أن يرزقني الشهادة.
فرفع النبي صلى الله عليه وسلم كفيه، وقال: اللهم
ارزق عبدك حارثة الشهادة في سبيلك.
فرح حارثة، ستة عشرة سنة وهمه وتفكيره في الآخرة،
في الوقت الذي نشاهد شبابنا في أيامنا هذه يفتقد إلى أبجديات الأخلاق وليس
الطموحات فحسب.
وذهب حارثة إلى أمه وقال: يا أمي لقد دعا لي النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة،
قالت وما شأنك؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده الرجال، وأنا لا أحدَ عندي،
قال يا أمي إنها الجنة، والله إن متُّ لأشفعنّ لك، وما زال يقنع أمَّه ويُرَقِّقَ
قلبَها حتى أذنت له بأن ينطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما وصل الجيش إلى موقع بدر، رأى حارثةُ البئرَ وراءه،
فذهب يشرب ماءً فرآه أحد المسلمين وظنه جاسوسًا، فرماه بسهمٍ أصابه في مقتل.
فنزعه حارثة، والدم يتفجر منه، وجعل يحوقل ويتشهد: لا
إله إلا الله محمد رسول الله، فانطلق إليه من رماه وقال أأنت مسلم؟ أأنت منّا؟
قال: نعم.
قال حارثة: الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي على يد رجل
مشرك.
فَحَمله الصحابيّ وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وهو يقول: يا رسول الله قتلته ولا أعرف أنه منّا.
فقال الصحابة: مات حارثة في غير الجهاد. (هكذا ظنوا).
فوصل الخبر إلى المدينة إلى أم حارثة بأنّ حارثة قد مات
في غير جهاد.
فأخذت تبكي وتنتظر انتهاء المعركة ومتى يعود النبي صلى
الله عليه وسلم. حتى إذا قدم، مسكت بناقته وقالت يا رسول: أنا أم حارثة، أخبرني
أين حارثة الآن؟ إن كان في الجنة صبرت. وإن كان في الأخرى فلأرينَّ اللهَ ما
أصنع.
قال ما قلتي يا أمّ حارثة، قالت ما سمعت: إن كان في
الجنة صبرت وإن كانت الأخرى فلأرينّ اللهَ ما أصنع.
فصاح بها النبي صلى الله عليه وسلم: أهبلتِ يا أمّ
حارثة؟ أجننتِ يا أم حارثة؟
إنها جنان، وإنّ حارثة قد أصاب الفردوس الأعلى.
إنهم كانوا في رمضان تسمو أرواحُهُم، وتعلو هِمَمُهم ليس
إلى برامج المقالب والفوازير والمسلسلات، ولا اختزال لرمضان بموائد وعصائر وجلسات
تجرد رمضان من معناه الذي فرضه الله لأجله.
إنّ الله تعالى فرضه علينا لنتقيه، لنجعل بيننا وبين عذابه وقاية، فَنُقْبِلُ على
طاعاتنا، ونتسابَقُ إلى جوار ربنا.
وفي رمضان: حدثت معركة القادسية.
معركة فاصلة لاقى فيها الصحابة رضوان الله عليهم مئتي
ألف فارسي. كان معهم أكثر من ثلاثين فيلًا مجهزة ومدربة للحروب والقتال، مدربة
لتطأ الناس أمامها، لكن سعدَ بن أبي وقاص الذي كان جريحًا متألمًا لحق
بالمسلمين إلى القادسية في جيش لا يتعدى الثلاثين ألف ليقابلوا مئتي ألف.
وبدأ رستم قائد الفرس يفكر ماذا أفعل مع هؤلاء العرب؟ الذين ما كانوا إلا للطعام والشراب والمال، شُذاذٌ
متفرقون، فأخذ يعرض عليهم الدنيا، فيتقدم ربعي بن عامر، فقال له رستم:
ما الذي أخرجكم؟ ارجع إلى قومك وخذ لكل واحد منهم أربعين أوقيةً من الذهب.
فقال ربعي: إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، إلى
أن وصل إلى قوله: لقد أرسل الله
تعالى لنا رسولًا من أنفسنا، نعرف اسمَه ونسبَه ونعرف أمَّه وأباه، وكنا نتقاتل
على الشاة والبعير فأخرجنا الله تعالى به من الظلمات إلى النور، ومن عبادة
العباد إلى عبادة رب العباد، وقد وعدنا النبي صلى الله عليه وسلم إن نحن صدقنا أن
يُمَلِكَنَا اللهُ ما تحت كرسيّك هذا.
فما كان من رستم إلا أن طرد ربعي وطلب وفدًا آخر ليتفاوض
معه، فذهب إليه المغيرةُ بنُ شعبة، فقال كلامًا أشد من كلام ربعيّ.
وكان نهاية الأمر أن انتصر المسلمون انتصارًا عظيمًا وكسروا
شوكة الفرس.
نعم لقد كانوا يرون رمضان فرصة عظيمة لرفع راية الإسلام,
شهر رمضان شهرُ قرانٍ وقيامٍ وبكاءٍ ودعاء، شهر عز وتمكين، شهر توبة يَعْقُبُها
ارتفاعٌ للكلمة وعلو للراية، وانتصار على العدو.
إن رمضان كان ولا زال رمضان عزّة، وإنا لنرجو الله أن
تنتصر غزة في رمضان هذا، وإنا لنقسم على الله ونحن صائمون أن تنتصر غزة، فبشائر
النصر واضحة أكثر من أي وقت مضى، والله جل وعلا قد أرانا خذلان العالمِ كلّهِ وهو
يخذلهم، نعم العالمُ كلُّه يخذلهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا
يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم" هم لعدو الله ظاهرين.
اللهم نصرك الذي وعدت يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين
استغفروا الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسلام على نبيه الذي اصطفى
إنّ مما يجب ذكرُه من أحداث في هذا الشهر المبارك
العظيم، هو معركة عين جالوت، فبعد مجازر المغول في المسلمين، والتي قدرت بأقل
تقدير عند المؤرخين بِـ 800.000 مسلم هذا أقل تقدير عند المؤرخين، حتى كان المغولي
يأخذ (40) من المسلمين، فيقول لهم انتظروا حتى آتي بسيف فأقتُلُكُم به، فينتظرون،
ويذهب المغولي يأتي بالسيف فيذبَحُهم ولا أحد منهم يجرؤ أن يحرك ساكنًا.
واستمرت المذابح (40) يومًا على هذا الحال.
ثمّ تحركوا من بغداد إلى دمشق فاستسلمت دمشق دون قتال.
ثمّ توجهوا إلى حلب فقاوم أهلُها فَقُتِلَ منهم أكثر من
(100) ألف.
ثمّ أرادوا التوجه إلى مصر، وهنا تحرك العالم (سلطان
العلماء) العز بن عبد السلام فجمع العلماء وبايعوا القائد (قطز) بشرط أن يعلن
الجهاد. فأعلن الجهاد وأعلن العز بن عبد السلام أن الجهادَ فرضُ عين، هذه الأحداث
تحدث في مصر (مصر العروبة، مصر الحضارة، مصر الإسلام) مصر التي لا تعترف بحدود ولا
بمعابر.
فوجه هولاكو رسالةً إلى قطز مفادها: اتعظوا بغيركم،
وأسلموا لنا أموركم، فما لكم من سيوفنا خلاص، ودعاؤكم علينا لا يسمع.
وهذا لسانُ حالِ أعداءنا اليوم ونظرَتُهُم لنا.
فتوجه قطز إلى فلسطين مباشرة نحو عين جالوت، والتقى
الجيشان في (الخامس والعشرين) من رمضان.
التتر يتفوقون تفوقًا عظيمًا بالأعداد والأسلحة
والإمدادات، ولكن المسلمين حينها (صدقوا الله فصدقهم)
وأحداث عين جالوت كثيرة ملخصها أنه خلال شهر فقط استعاد
قطز كل بلاد الشام، وفرَّ المغول أمام جيش المسلمين.
في حين تعجز الدول الإسلامية اليوم في ستة أشهر لا نقول
عن النصر على أذل شعوب الأرض وأحقرها، وإنما تعجز عن إدخال المساعدات لإخوانهم في
غزة.
إنّ رمضان شهر عز ونصر وتمكين.
شهرُ رفعٍ لراية الإسلام، لا شهرَ طعامٍ وشراب، أقسم لكم
أننا نخجل من أنفسنا ونحن نُفطر مع الأذان، وإخوانُنا وأهلُنا لا يجدون ما يأكلونَه
وما يفطرون عليه.
وما هذا التقصير في نصرتهم إلا لهواننا ولذلنا وعصياننا.
ولو أننا جعلنا رمضان شهر عز وتمكين فعدنا إلى مساجدنا
ومصاحفنا ودعواتنا، لقيّضَ الله لنا بابًا مفتوحًا ننصرُ فيه الأقصى، ونرفع فيه
لواء الإسلام والجهاد والنصر.
هذا واعلموا عباد الله أن الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ
به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، وثلث بكم فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
لبيك اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آل محمد،
كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الصحابة والتابعين
وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم انصر الإسلام والمسلمين
وأذل الشرك والمشركين
ودمر أعداء الدين
اللهم ارفع ما حل بإخواننا في فلسطين، اللهم انصر
المجاهدين، وارحم المستضعفين
اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، ومكن لهم ولا تمكن منهم،
وانصرهم ولا تنصر عليهم
اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرا فوفقه إلى كل خير
ومن أراد بالإسلام والمسلمين شرًا فخذه أخذ عزيز مقتدر
اللهم عليك باليهود ومن والهم / اللهم عليك باليهود ومن
ناصرهم
اللهم لا ترفع لهم راية / ولا تحقق لهم غاية / واجعلهم
عبرة وآية.
اللهم ملك البلاد أره الحق حقًا وارزقه إتباعه / وأره
الباطل باطلًا وارزقه اجتنابه
وهيئ له البطانة الصالحة، إن نسي ذكروه، وإن ذكر أعانوه.
وأنت يا أخي أقم الصلاة.
تعليقات
إرسال تعليق