التخطي إلى المحتوى الرئيسي

معركة بدر

 

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

‏(مَعْرَكَةُ بَدْرٍ)‏

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ ‏أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا ‏هَادِيَ لَهُ.

يَا رَبِّ حَمْدًا لَيْسَ غَيْرُكَ يُحْمَدُ ** يَا مَنْ لَهُ كُلُّ الخَلَائِقِ تَصْمُدُ

أَبْوَابُ غَيْرِكَ رَبَّنَا قَدْ أُوصِدَتْ ** وَرَأَيْتُ بَابَكَ وَاسِعًا لَا يُوصَدُ

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ‏وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ ‏جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ.‏

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ ‏مُسْلِمُونَ﴾.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ‏وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۝ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ:

فَمَا زِلْنَا فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ عَنْ شَهْرِ الْبَرَكَاتِ، شَهْرِ الْمُنَافَسَةِ فِي الْخَيْرَاتِ ‏وَالطَّاعَاتِ، شَهْرِ الْفُتُوحَاتِ وَالِانْتِصَارَاتِ، شَهْرٍ مَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَلَى نَبِيِّهِ ‏وَصَحَابَتِهِ بِيَوْمِ بدر، يومِ الْفُرْقَانِ. وَالِانْتِصَارِ بِأَوَّلِ مَعْرَكَةٍ وَأَوَّلِ قِتَالٍ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ‏وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ، كَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ.‏

وَكَانَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ هِيَ نُقْطَةُ تَحَوُّلٍ فِي حَيَاةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، سُمِّيَتْ بِيَوْمِ ‏الْفُرْقَانِ، أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذَلَّ بِهَا الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ.‏

وَأَظْهَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا النَّبِيَّ وَالصَّحَابَةَ وَهَذَا الدِّينَ.‏

مِنْ بَعْدِ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَإِلَى الْيَوْمِ، وَالْأُمَّةُ تَسْتَشْعِرُ خَيْرَاتِهَا وَبَرَكَاتِهَا وَرَحْمَاتِهَا.‏

هَذِهِ الْغَزْوَةُ فِيهَا دُرُوسٌ وَعِبَرٌ وَعِظَاتٌ وَآيَاتٌ عَظِيمَاتٌ.‏

تَخَيَّلُوا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَسَأَلَهُ: يَا مُحَمَّدُ، مَا قَوْلُكُمْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ: هُمْ أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ.‏

فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي مَلَائِكَةِ بَدْرٍ.‏

فَإِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الْمَلَائِكَةِ: الَّذِينَ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَشَارَكُوا فِيهَا.‏

قال ربنا جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾.‏

لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فَرَسٌ وَاحِدٌ، وَسَبْعُونَ بَعِيرًا، يَتَنَاوَبُ عَلَى الْبَعِيرِ ثَلَاثَةٌ، ‏وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَنَاوَبُ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ الْغَالِبُ ‏عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ رَاجِلُونَ. لَمْ يَبْلُغُوا ثَلَاثَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ مُقَاتِلًا.‏

وَكَانَ عَدُوُّهُمْ قَدْ جَاءَهُمْ بِقدِّهِ وَقَدِيدِهِ وَحَدِيدِهِ وَجُنْدِهِ، وَتَجَاوَزُوا الْأَلْفَ:

فَرَسٌ وبَعِيرٌ، وسُيُوفٌ ورِمَاحٌ.‏

وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا صَدَقُوا اللَّهَ فِي النُّصْرَةِ لِدِينِهِ، لَمْ يَنْصُرُوا قَوْمِيَّةً وَلَا عَشِيرَةً وَلَا حُدُودًا ‏وَلَا مَذْهَبًا وَلَا ثَأْرًا وَلَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَلَمْ يُرِيدُوا عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَمُلْكًا، إِنَّمَا ‏أَرَادُوا نُصْرَةَ اللَّهِ.‏

كَانَ أَعْظَمَ سِلَاحٍ لِأَهْلِ بَدْرٍ الدُّعَاءُ.‏

لَمَّا وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ أَنْ هَيَّأَ الجُنْدَ وَأَقَامَ صُفُوفَهُمْ وَهَيَّأَهُمْ ‏لِلْمَعْرَكَةِ، حَتَّى مَرَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوَادٍ، وَكَانَ سَوَادٌ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّفِّ، ‏فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ: اسْتَوِ يَا سَوَادُ.‏

فَقَالَ سَوَادٌ: أَوْجَعْتَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَطْنِهِ ‏وَقَالَ: يَا سَوَادُ خُذْ حَقَّكَ، فَنَزَلَ سَوَادٌ وَقَبَّلَ بَطْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: يَا سَوَادُ مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْبَلَ مَا تَرَى، سُيُوفٌ وَرِمَاحٌ وَرِقَابٌ وَدِمَاءٌ، وَإِنِّي لَأَرْجُو ‏اللَّهَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِي بِالدُّنْيَا أَنْ يَمَسَّ جِلْدِي جِلْدَكَ.‏

خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَّتِهِ وَجَعَلَ يَدْعُو وَأَلَحَّ عَلَى رَبِّهِ بِالدُّعَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا.

اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي.

حَتَّى جَاءَهُ الصِّدِّيقُ وَأَمْسَكَ رِدَاءَهُ وَضَمَّهُ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَةً ‏لِرَبِّكَ، فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ.‏

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُدُّ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ يَدَي أَبِي بَكْرٍ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي ‏مَا وَعَدْتَنِي.

ثُمَّ يَغْشَى النُّعَاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يُفِيقُ وَيَنْطَلِقُ أَمَامَ أَبِي بَكْرٍ ‏وَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَبْشِرْ، إِنِّي أَرَى جِبْرِيلَ آخِذًا بِعِنَانِ فَرَسِهِ.

رَبَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي بَدْرٍ الْأَرْضَ بِالسَّمَاءِ، وَأَنْزَلَ الْمَلَائِكَةَ تُجَاهِدُ مَعَ عِبَادِهِ ‏بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.‏

حَتَّى جَاهَدَ الصَّحَابَةُ أَحِبَّاءَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ أَخَاهُ وَعَمَّهُ وَخَالَهُ وَأَبَاهُ، كَمَا جَاءَ ‏فِي ذَلِكَ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي.‏

فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مِنَ الْحِكَمِ وَالدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ وَالْعِظَاتِ: أَنَّ أَمْرَ الْجِهَادِ وَالْقِتَالِ، ‏وَمُوَاجَهَةِ الْأَعْدَاءِ لَيْسَ كَمَا يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ الْخُسَارَةُ وَزُهُوقُ ‏الرُّوحِ، لَا وَاللَّهِ، بَلْ عَلَى الْعَكْسِ، إِنَّهُ الرِّبْحُ وَالْفَوْزُ بِرِضْوَانِ اللَّهِ.‏

خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَدًّا الْعُدَّةَ، وَجَهَّزَ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ ‏عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَ يُهَيِّئُ نَفْسَهُ وَجُنُودَهُ لِمَعْرَكَةٍ فَاصِلَةٍ، وَهُمْ صَائِمُونَ.‏

كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قبل ذلك يَمْشِي فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ، فَقَابَلَ حَارِثَةَ ‏الْأَنْصَارِيَّ، شَابًّا لَمْ يَتَجَاوَزِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ، فَسَأَلَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا ‏حَارِثَةُ؟

فَقَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قَالَ: انْظُرْ مَا تَقُولُ، مَا حَقِيقَةُ قَوْلِكَ؟

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصْبَحْتُ أُظْمِئُ نَهَارِي، وَأَسْهَرُ لَيْلِي، وَعَزَفْتُ عَنِ الدُّنْيَا. ‏وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ فِيهَا، ‏وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَعَذَّبُونَ فِيهَا.

ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي ‏الشَّهَادَةَ.

فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْ عَبْدَكَ حَارِثَةَ ‏الشَّهَادَةَ فِي سَبِيلِكَ.

فَرِحَ حَارِثَةُ، سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَهَمُّهُ وَتَفْكِيرُهُ فِي الْآخِرَةِ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي ‏نُشَاهِدُ فِيهِ شَبَابَنَا فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ يَفْتَقِدُ إِلَى أَبْجَدِيَّاتِ الْأَخْلَاقِ وَلَيْسَ الطُّمُوحَاتِ ‏فَحَسْبُ.‏

وَذَهَبَ حَارِثَةُ إِلَى أُمِّهِ وَقَالَ: يا أُمِّي لَقَدْ دَعا لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّهَادَةِ، قالَتْ: وَما شَأْنُكَ؟ إِنَّ ‏رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ الرِّجَالُ، وَأَنَا لا أَحَدَ عِنْدِي، قالَ: يا أُمِّي ‏إِنَّهَا الْجَنَّةُ، وَاللَّهِ إِنْ مِتُّ لَأَشْفَعَنَّ لَكِ، وَما زَالَ يُقْنِعُ أُمَّهُ وَيُرَقِّقُ قَلْبَهَا حَتَّى ‏أَذِنَتْ لَهُ بِأَنْ يَنْطَلِقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.‏

وَلَمَّا وَصَلَ الْجَيْشُ إِلَى مَوْقِعِ بَدْرٍ، رَأَى حَارِثَةُ الْبِئْرَ وَرَاءَهُ، فَذَهَبَ ‏يَشْرَبُ مَاءً فَرَآهُ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ وَظَنَّهُ جَاسُوسًا، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ أَصَابَهُ فِي ‏مَقْتَلٍ.‏

فَنَزَعَهُ حَارِثَةُ، وَالدَّمُ يَتَفَجَّرُ مِنْهُ، وَجَعَلَ يُحَوْقِلُ وَيَتَشَهَّدُ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ ‏رَسُولُ اللَّهِ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ مَنْ رَمَاهُ وَقالَ: أَأَنْتَ مُسْلِمٌ؟ أَأَنْتَ مِنَّا؟ قالَ: نَعَمْ.‏

قالَ حَارِثَةُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مِيتَتِي عَلَى يَدِ رَجُلٍ مُشْرِكٍ.‏

فَحَمَلَهُ الصَّحَابِيُّ وَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: يا رَسُولَ ‏اللَّهِ قَتَلْتُهُ وَلا أَعْرِفُ أَنَّهُ مِنَّا.‏

 

فَقالَ الصَّحَابَةُ: مَاتَ حَارِثَةُ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. (هَكَذَا ظَنُّوا).‏

فَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى أُمِّ حَارِثَةَ بِأَنَّ حَارِثَةَ قَدْ مَاتَ فِي غَيْرِ جِهَادٍ.‏

فَأَخَذَتْ تَبْكِي وَتَنْتَظِرُ انْتِهَاءَ الْمَعْرَكَةِ وَمَتَى يَعُودُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى ‏إِذَا قَدِمَ، أَمْسَكَتْ بِنَاقَتِهِ وَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أُمُّ حَارِثَةَ، أَخْبِرْنِي أَيْنَ ‏حَارِثَةُ الآنَ؟ إِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ. وَإِنْ كَانَ فِي الْأُخْرَى فَلَأُرِيَنَّ اللَّهَ ما ‏أَصْنَعُ.‏

قالَ: ما قُلْتِ يا أُمَّ حَارِثَةَ؟ قالَتْ: ما سَمِعْتَ، إِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ ‏كَانَتِ الْأُخْرَى فَلَأُرِيَنَّ اللَّهَ ما أَصْنَعُ.‏

فَصَاحَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهَبَلْتِ يا أُمَّ حَارِثَةَ؟ أَجُنِنْتِ يا أُمَّ حَارِثَةَ؟

إِنَّهَا جِنَانٌ، وَإِنَّ حَارِثَةَ قَدْ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى.‏

إِنَّهُمْ كَانُوا فِي رَمَضَانَ تَسْمُو أَرْوَاحُهُمْ، وَتَعْلُو هِمَمُهُمْ، لَيْسَ إِلَى بَرَامِجِ الْمَقَالِبِ ‏وَالْفَوَازِيرِ وَالْمُسَلْسَلَاتِ، وَلا اخْتِزَالِ رَمَضَانَ بِمَوَائِدَ وَعَصَائِرَ وَجَلَسَاتٍ تُجَرِّدُ ‏رَمَضَانَ مِنْ مَعْنَاهُ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ لِأَجْلِهِ.‏

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهُ عَلَيْنَا لِنَتَّقِيَهُ، لِنَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَذَابِهِ وِقَايَةً، فَنُقْبِلُ عَلَى ‏طَاعَاتِنَا، وَنَتَسَابَقُ إِلَى جِوَارِ رَبِّنَا.‏

نَعَمْ، لَقَدْ كَانَ ‏سَلَفُنَا يَرَوْنَ رَمَضَانَ فُرْصَةً عَظِيمَةً لِرَفْعِ رَايَةِ الْإِسْلَامِ، ‏شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ قُرْآنٍ وَقِيَامٍ وَبُكَاءٍ وَدُعَاءٍ، شَهْرُ عِزٍّ وَتَمْكِينٍ، شَهْرُ تَوْبَةٍ ‏يَعْقُبُهَا ارْتِفَاعٌ لِلْكَلِمَةِ وَعُلُوٌّ لِلرَّايَةِ، وَانْتِصَارٌ عَلَى الْعَدُوِّ.‏

إِنَّ رَمَضَانَ كَانَ وَلا زَالَ رَمَضَانَ عِزَّةً، وَإِنَّا لَنَرْجُو اللَّهَ أَنْ يَنْصُرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ ‏فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا لَنُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ وَنَحْنُ صَائِمُونَ أَنْ يَنْصُرَ أَهْلَ فِلَسْطِينَ ‏عَامَّةً، وَأَهْلَ غَزَّةَ خَاصَّةً، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلا قَدْ أَرَانَا خِذْلَانَ الْعَالَمِ كُلِّهِ لَهُمْ، نَعَمْ ‏الْعَالَمُ كُلُّهُ يَخْذُلُهُمْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ‏وَلا مَنْ خَالَفَهُمْ" هُمْ لِعَدُوِّ اللَّهِ ظَاهِرُونَ.‏

اللَّهُمَّ نَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَ.‏

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَيا فَوْزَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ.‏ 

 

 

 

 

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَسَلَامٌ عَلَى نَبِيِّهِ الَّذِي اصْطَفَى.

إِنَّ مِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُ مِنْ أَحْدَاثٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ الْعَظِيمِ، هُوَ مَعْرَكَةُ عَيْنِ جَالُوتَ، فَبَعْدَ مَجَازِرِ الْمَغُولِ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي قُدِّرَتْ بِأَقَلِّ تَقْدِيرٍ عِنْدَ الْمُؤَرِّخِينَ بِـ (800.000) مُسْلِمٍ، هَذَا أَقَلُّ تَقْدِيرٍ عِنْدَ الْمُؤَرِّخِينَ، حَتَّى كَانَ الْمَغُولِيُّ يَأْخُذُ (40) مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَقُولُ لَهُمْ انْتَظِرُوا حَتَّى آتِيَ بِسَيْفٍ فَأَقْتُلَكُمْ بِهِ، فَيَنْتَظِرُونَ، وَيَذْهَبُ الْمَغُولِيُّ يَأْتِي بِالسَّيْفِ فَيَذْبَحُهُمْ وَلَا أَحَدَ مِنْهُمْ يَجْرُؤُ أَنْ يُحَرِّكَ سَاكِنًا.

وَاسْتَمَرَّتِ الْمَذَابِحُ (40) يَوْمًا عَلَى هَذَا الْحَالِ.

ثُمَّ تَحَرَّكُوا مِنْ بَغْدَادَ إِلَى دِمَشْقَ فَاسْتَسْلَمَتْ دِمَشْقُ دُونَ قِتَالٍ.

ثُمَّ تَوَجَّهُوا إِلَى حَلَبَ فَقَاوَمَ أَهْلُهَا فَقُتِلَ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ (100) أَلْفٍ.

ثُمَّ أَرَادُوا التَّوَجُّهَ إِلَى مِصْرَ، وَهُنَا تَحَرَّكَ الْعَالِمُ بَلْ (سُلْطَانُ الْعُلَمَاءِ) الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَجَمَعَ الْعُلَمَاءَ وَبَايَعُوا الْقَائِدَ (قُطُزَ) بِشَرْطِ أَنْ يُعْلِنَ الْجِهَادَ. فَأَعْلَنَ الْجِهَادَ وَأَعْلَنَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ عَيْنٍ.

هَذِهِ الْأَحْدَاثُ تَحْدُثُ فِي مِصْر (مِصْرَ الْإِسْلَامِ) مِصْرَ الَّتِي لَا تَعْتَرِفُ بِحُدُودٍ وَلَا بِمَعَابِرٍ، وَالَّتِي بَقِيَتْ كَذَٰلِكَ قَبْلَ أَنْ تَصْبَحَ خِنْجَرًا يَضْرِبُ خَاصِرَةَ أَهْلِ غَزَّةٍ.

فَوَجَّهَ هُولَاكُو رِسَالَةً إِلَى قُطُزٍ مَفَادُهَا: اتَّعِظُوا بِغَيْرِكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَنَا أُمُورَكُمْ، فَمَا لَكُمْ مِنْ سُيُوفِنَا خَلَاصٌ، وَدَعَاؤُكُمْ عَلَيْنَا لَا يُسْمَعُ.

وَهَذَا لِسَانُ حَالِ أَعْدَائِنَا الْيَوْمَ وَنَظَرَتُهُمْ لَنَا.

التَّتَرُ يَتَفَوَّقُونَ تَفَوُّقًا عَظِيمًا بِالْأَعْدَادِ وَالْأَسْلِحَةِ وَالْإِمْدَادَاتِ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ (صَدَقُوا اللَّهَ فَصَدَقَهُمْ).

وَأَحْدَاثُ عَيْنِ جَالُوتَ كَثِيرَةٌ مُلَخَّصُهَا أَنَّهُ خِلَالَ شَهْرٍ فَقَطْ اسْتَعَادَ قُطُزُ كُلَّ بِلَادِ الشَّامِ، وَفَرَّ الْمَغُولُ أَمَامَ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ.

فِي حِينِ تَعْجِزُ الدُّوَلُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْيَوْمَ فِي سَنَةٍ وَنِصْفِ السنةِ عَنْ إِدْخَالِ الْمُسَاعَدَاتِ لإخوانهم في غزة، وَتَرْتَمِي لِلتَّفَاوُضِ مَعَ أَذَلِّ شُعُوبِ الْأَرْضِ وَأَحْقَرِهَا.

إِنَّ رَمَضَانَ شَهْرُ عِزٍّ وَنَصْرٍ وَتَمْكِينٍ.

شَهْرُ رَفْعٍ لِرَايَةِ الْإِسْلَامِ، لَا شَهْرَ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، حَتَّى بَتْنَا نَخْجَلُ مِنْ أَنْفُسِنَا وَنَحْنُ نُفْطِرُ مَعَ الْأَذَانِ، وَإِخْوَانُنَا وَأَهْلُنَا لَا يَجِدُونَ مَا يَأْكُلُونَهُ وَمَا يُفْطِرُونَ عَلَيْهِ.

وَمَا هَذَا التَّقْصِيرُ فِي نُصْرَتِهِمْ إِلَّا لِهَوَانِنَا وَلِذُلِّنَا وَعِصْيَانِنَا.

وَلَوْ أَنَّنَا جَعَلْنَا رَمَضَانَ شَهْرَ عِزٍّ وَتَمْكِينٍ فَعُدْنَا إِلَى مَسَاجِدِنَا وَمَصَاحِفِنَا وَدَعَوَاتِنَا، لَقَيَّضَ اللَّهُ لَنَا بَابًا مَفْتُوحًا نَنْصُرُ فِيهِ الْأَقْصَى، وَنَرْفَعُ فِيهِ لِوَاءَ الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالنَّصْرِ.

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَأَنْ يُذِلَّ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ.

هَذَا وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ بَدَأَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَثَنَّى بِمَلَائِكَةِ قُدْسِهِ، وَثَلَّثَ بِكُمْ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. 

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَسَلَّمْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ.

وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ انصُرِ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ ارفعْ مَا حَلَّ بِإِخْوَانِنَا فِي فِلَسْطِينَ، اللَّهُمَّ انصُرِ الْمُجَاهِدِينَ، وَارْحَمِ الْمُسْتَضْعَفِينَ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّهُمْ وَلَا تُعِنْ عَلَيْهِمْ، وَمَكِّنْ لَهُمْ وَلَا تَمَكَّنْ مِنْهُمْ، وَانصُرْهُمْ وَلَا تَنْصُرْ عَلَيْهِمْ.

اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَوَفِّقْهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَمَنَ أَرَادَ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ شَرًّا فَخُذْهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.

اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ وَمَنْ وَالَاهُمْ / اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ وَمَنْ نَاصَرَهُمْ.

اللَّهُمَّ لَا تَرْفَعْ لَهُمْ رَايَةً / وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ غَايَةً / وَجْعَلْهُمْ عِبْرَةً وَآيَةً.

اللهم تقبل صلاتنا وصيامنا وقيامنا.

اللَّهُمَّ مَلِّكِ الْبِلَادِ أَرِهِ الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْهُ إِتِّبَاعَهُ / وَأَرِهِ الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْهُ اجْتِنَابَهُ.

وَهَيِّئْ لَهُ الْبَطَانَةَ الصَّالِحَةَ، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرُوهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانُوهُ.

وَأَنْتَ يَا أَخِي أَقِمِ الصَّلَاةَ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حسابات الأولين

بسم الله الرحمن الرحيم   ( حسابات الأولين )  الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، الحمد لله الذي أمات وأحيا وأضحك وأبكى، له الحمد سبحانه بما خلقنا ورزقنا وهدانا وعلمنا كفانا فخرا أن تكون لنا ربا، وكفانا عزا أن نكون لك عبيدا ومما زادني شرفًا وتيها       وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي    وأن صيرت أحمد لي نبيا سبحانك سبحانك ما في الوجود سواك ربُّ يعبد             كلا ولا مولىً هناك فيحمدُ رباه إنّ السيل قد بلغ الزُّبا            والأمر عندك بين الكاف والنون يا من أحال النار حول خليله             روحًا وريحانًا بقولك كوني يا من أمرت الحوت يلفظ يونسًا              وسترته بشجيرة اليقطين رباه إنا مثله في شدة          ...

خطبة الاستسقاء

  بسم الله الرحمن الرحيم (الاستسقاء)   أستغفِرُ اللهَ، أستغفِرُ اللهَ، أستغفِرُ الله أستغفِرُ اللهَ، أستغفِرُ اللهَ، أستغفِرُ الله أستغفِرُ اللهَ، أستغفِرُ اللهَ، أستغفِرُ الله الْحَمْدُ اللَّهَ مُغِيثِ الْمُسْتَغِيثِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. تَكْفَّلَ بِأَرْزَاقِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا، كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ). وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.   أمّا بعد : صحَّ عَنِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أنَّه قال: (ليسَ السَّنَةُ ــ أي: الجَدْبُ والقَحْط ــ بأنْ لا تُمطَروا، ولكِنَّ السَّنَةَ بأنْ تُمطَروا وتُمطروا ؛ ولا تُنْبِتُ الأرضُ شيئًا). اعلموا عبادَ اللهِ: أنَّهُ ما نَزلَ بالعبادِ بلاءٌ إلا بذَنْب، ولا حلَّتْ مُصيبةٌ بالَخْلِق إلا مِنْ خطاياهُم، ولا فَشَا الفسادُ في البَرِّ والبحر إلا بسبِ السيئات. فقد قالَ عزَّ وَجلَّ مُخبِرًا لنا عن ذلك: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِ...

تَبُوكُ – انْتِصَارُ غَزَّةَ

  بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (تَبُوكُ – انْتِصَارُ غَزَّةَ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَضْحَكَ وَأَبْكَى، لَهُ الْحَمْدُ سُبْحَانَهُ بِمَا خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا وَهَدَانَا وَعَلَّمَنَا. كَفَانَا فَخْرًا أَنْ تَكُونَ لَنَا رَبًّا، وَكَفَانَا عِزًّا أَنْ نَكُونَ لَكَ عَبِيدًا. وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيْهًا ** وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي ** وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيًّا سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ مَا فِي الْوُجُودِ سِوَاكَ رَبُّ يُعْبَدُ ** كَلَّا وَلَا مَوْلًى هُنَاكَ فَيُحْمَدُ رَبَّاهُ إِنَّ السَّيْلَ قَدْ بَلَغَ الزُّبَى ** وَالْأَمْرُ عِنْدَكَ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ يَا مَنْ أَحَالَ النَّارَ حَوْلَ خَلِيلِهِ ** رَوْحًا وَرَيْحَانًا بِقَوْلِكِ كُونِي يَا مَنْ أَمَرْتَ الْحُوتَ يَلْفِظُ يُونُسًا ** وَسَتَرْتَهُ بِشَجِيرَةِ الْيَقْطِينِ رَبَّاهُ إِنَّا مِثْلَهُ فِي شِدَّةٍ ** فَارْحَمْ عِبَادًا كُلَّهُمْ ذُو...

الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ   إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.   يَا رَبِّ حَمْدًا لَيْسَ غَيْرُكَ يُحْمَدُ      **      يَا مَنْ لَهُ كُلُّ الْخَلَائِقِ تَصْمُدُ أَبْوَابُ غَيْرِكَ رَبَّنَا قَدْ أُوصِدَتْ        **      وَرَأَيْتُ بَابَكَ وَاسِعًا لَا يُوصَدُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ.     ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِل...

الحلال بين - وسوريا

  بسم الله الرحمن الرحيم ( الحلال بين والحرام بين )   إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، يا ربِّ حمداً ليسَ غَيْرُكَ يُحْمَدُ      **      يا من لَهُ كُلُّ الخَلائِقِ تَصْمُدُ أبوابُ غيرِكَ ربنا قد أوُصدت        **      ورأيتُ بابَكَ واسعاً لا يُوصَدُ وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُ، وصفيه وخليله بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .   ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. أما بعد:...

شهر رجب

  بسم الله الرحمن الرحيم (شهر رجب) إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً          فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ            فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُذْنِبُ ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا              وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُ، وصفيه وخليله بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُص...

ولا تنازعوا فتفشلوا

  بسم الله الرحمن الرحيم (ولا تنازعوا فتفشلوا) إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، يا ربِّ حمداً ليسَ غَيْرُكَ يُحْمَدُ      **      يا من لَهُ كُلُّ الخَلائِقِ تَصْمُدُ أبوابُ غيرِكَ ربنا قد أوُصدت        **      ورأيتُ بابَكَ واسعاً لا يُوصَدُ وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُ، وصفيه وخليله بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .   ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. أما بعد فيا عباد الله:...

وقفات مع معجزة الإسراء والمعراج

  بسم الله الرحمن الرحيم عنوان خطبة الجمعة الموحد (وقفات مع معجزة الإسراء والمعراج)   الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، الحمد لله الذي أمات وأحيا وأضحك وأبكى، له الحمد سبحانه بما خلقنا ورزقنا وهدانا وعلمنا كفانا فخرا أن تكون لنا ربا، وكفانا عزا أن نكون لك عبيدا ومما زادني شرفًا وتيها        وكدت بأخمصي أطؤ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي     وأن صيرت أحمد لي نبيا سبحانك سبحانك ما في الوجود سواك ربُّ يعبد                كلا ولا مولىً هناك فيحمدُ رباه إنّ السيل قد بلغ الزُّبا               والأمر عندك بين الكاف والنون يا من أحال النار حول خليله                روحًا وريحانًا بقولك كوني يا من أمرت الحوت يلفظ يونسًا                 وسترته بشجيرة اليقطين رباه إنا مثله في شدة ...

واستعينوا بالصبر والصلاة

  بسم الله الرحمن الرحيم (الصلاة)   إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، يا ربِّ حمداً ليسَ غَيْرُكَ يُحْمَدُ      **      يا من لَهُ كُلُّ الخَلائِقِ تَصْمُدُ أبوابُ غيرِكَ ربنا قد أوُصدت        **      ورأيتُ بابَكَ واسعاً لا يُوصَدُ وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُ، وصفيه وخليله بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .   ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. أَمَّا بَعْدُ: قَالَ الإ...

شعبان 2025

  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ شَعْبَانُ - وَفَضَائِلُهُ إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ ‏أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ ‏لهُ، يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً          فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ            فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُذنبُ ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا              وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ   وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُ، ‏وصفيه وخليله بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده ‏حتى أتاه اليقين ‎ . ‎ ‏ ‏ ‏﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾‏ ‎ . ‎ ‏ ‏   ‏﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آم...