بسم الله الرحمن الرحيم
(فضل
الزكاة وزكاة الفطر)
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونستهديه،
ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ
له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ،
يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي
كَثرَةً فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ
عَفوَكَ أَعظَمُ
إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا
مُحسِنٌ فَبِمَن يَلوذُ
وَيَستَجيرُ المُذْنِبُ
ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا
الرَجا وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ
أَنّي مُسلِمُ
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن
محمدًا عبدُه ورسولُ، وصفيه وخليله بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة،
وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد:
لَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّكَاةَ بِالصَّلَاةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ
الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ. وَهَذَا إِنْ دَلَّ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّمَا يَدُلُّ
عَلَى أَهَمِّيَّتِهَا، فَكَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ
يَتَقَرَّبُ بِهَا الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ حَقُّ الْبَدَنِ،
فَإِنَّ الزَّكَاةَ هِيَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ وَهِيَ حَقُّ الْمَالِ. قَالَ جَلَّ
وَعَلَا: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ
الرَّاكِعِينَ﴾، وَيَقُولُ جلَّ وَعلا:
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا -
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.
فَالصَّلَاةُ تُطَهِّرُ الْأَبْدَانَ وَالْأَرْوَاحَ - وَالزَّكَاةُ
تُطَهِّرُ الْمَالَ وَالنَّفْسَ.
فَيَزْكُو الْمَالُ وَيَنْمُو - وَتَطْهُرُ الْأَنْفُسُ مِنَ الْبُخْلِ
وَالشُّحِّ وَالْعِدَاءِ وَالْبَغْضَاءِ.
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾.
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ بِأَنَّهُمْ رِجَالٌ. وَأَيُّ رِجَالٍ؟
﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ
فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾
وَيَقُولُ جَلَّ وَعَلَا:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ﴾
وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزَّكَاةُ مِنَّةً مِنَ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى
إِخْوَانِهِمُ الْفُقَرَاءِ، بَلْ هِيَ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي أَمْوَالِهِمُ الَّتِي
أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهَا.
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ﴾
وَمِنْ عَجِيبِ التَّشْرِيعِ الرَّبَّانِيِّ أَنَّ الزَّكَاةَ أَخْذٌ مِنَ
الْمَالِ، وَالْأَخْذُ مِنَ الْمَالِ يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ نَقَصَ، وَهَذَا
الْمَفْهُومُ عِنْدَ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ يُمْسِكُ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ خَوْفًا
مِنْ نَقْصِ الْمَالِ وَلَكِنَّ الشَّارِعَ الْحَكِيمَ أَخْبَرَنَا أَنَّ
الزَّكَاةَ وَإِنْ كَانَتْ إِخْرَاجُ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ فَهِيَ طَهَارَةٌ
وَنَمَاءٌ لِلْمَالِ، عَلَى عَكْسِ مَا هُوَ مَفْهُومٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ
النَّاسِ.
وَقَدْ تُوَارَدَتِ النُّصُوصُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْعَظِيمِ الَّذِي
لَا يُدْرِكُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، يَقُولُ رَبُّنا جلَّ وَعلا:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾
فَالْمُزَكِّي تُطَهِّرُهُ الزَّكَاةُ مِنَ الْبُخْلِ وَالشُّحِّ
وَالْأَنَانِيَّةِ كَمَا تُطَهِّرُهُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْمَالِ، وَكَمْ مِنْ
صَاحِبِ مَالٍ يَمْلِكُهُ الْمَالُ وَيُسَيِّرُهُ حَتَّى يَكُونَ عَبْدًا لَهُ،
فَيُوَالِي فِي الْمَالِ، وَيُعَادِي فِيهِ، وَيُحِبُّ فِيهِ، وَيُبْغِضُ فِيهِ.
وَيَشْقَى فِي جَمْعِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَيَخْشَى فَوَاتَهُ
أَكْثَرَ مِنْ خَشْيَتِهِ عَلَى دِينِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ،
وَلَرُبَّمَا هَلَكَ بِسَبَبِ خَسَارَتِهِ، فَهَذَا عَبْدٌ لِمَالِهِ وَإِنْ
مَلَكَهُ.
وَمُخْرِجُ الزَّكَاةِ يَتَحَرَّرُ -بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى- مِنْ
عُبُودِيَّةِ الْمَالِ إِلَى عُبُودِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ،
وَيَتَطَهَّرُ مِنْ شُحِّ نَفْسِهِ، وَفَقْرِ قَلْبِهِ.
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ عَاجِلًا وَآجِلًا، وَقَدْ
أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَوَصَفَهُ بِالْفَلَاحِ:
﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
وَيَقُولُ جَلَّ وَعَلَا: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ثُمَّ ذَكَرَ
سُبْحَانَهُ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ
فَلَاحِهُمْ أَنَّهُمْ ﴿لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾.
وَذَمَّ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ لَمْ
يَتَطَهَّرْ قَلْبُهُ مِنَ الشُّحِّ، وَدَعَا عَلَيْهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ
وَالقَطِيفَةِ وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ
يَرْضَ".
وَالزَّكَاةُ سَبَبٌ لِطَهَارَةِ قُلُوبِ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ مِنَ
الحِقْدِ عَلَى الأَغْنِيَاءِ، وَحَسَدِهِمْ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى
مِنْ فَضْلِهِ؛ إِذْ يَرَوْنَ أَنَّ الأَغْنِيَاءَ قَدْ أَحَسُّوا بِهِمْ،
وَشَارَكُوهُمْ فِي مُصَابِهِمْ، وَتَلَمَّسُوا حَاجَاتِهِمْ، وَوَاسَوْهُمْ
بِأَمْوَالِهِمْ، فَالزَّكَاةُ أَعْظَمُ صِلَةٍ بَيْنَ الفُقَرَاءِ
وَالأَغْنِيَاءِ، وَفِيهَا إِزَالَةٌ لِلْحَوَاجِزِ المُصْطَنَعَةِ بَيْنَهُمْ،
وَتَقْرِيبُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى يَكُونُوا إِخْوَةً مُتَآلِفِينَ،
مُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ تَعَالَى، مُتَعَاوِنِينَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّصْرَ وَالرِّزْقَ يُسْتَجْلَبُ بِالفُقَرَاءِ
وَالضُّعَفَاءِ؛ وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ صَلَاحِهِمْ وَدُعَائِهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي
حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
قَالَ: "رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ
دُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تُنْصَرُونَ
وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟".
وَمَهْمَا عَمِلَ البَشَرُ مِنَ الوَسَائِلِ وَالأَسَالِيبِ، وَمَهْمَا
قَامُوا بِهِ مِنَ البُحُوثِ وَالدِّرَاسَاتِ وَالدَّوْرَاتِ لِلتَّقْرِيبِ بَيْنَ
الفُقَرَاءِ وَالأَغْنِيَاءِ، وَتَآلُفِهِمْ وَاجْتِمَاعِ قُلُوبِهِمْ، فَلَنْ
يَجِدُوا لِلزَّكَاةِ مِثِيلًا فِي ذَلِكَ، فَسُبْحَانَ مَنْ شَرَعَ فَأَحْسَنَ،
وَأَمَرَ فَأَحْكَمَ!!
وَالزَّكَاةُ طَهَارَةٌ لِلْمَالِ مِمَّا عَلِقَ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ،
أَوْ غَفْلَةِ صَاحِبِهِ عَنْ حَرَامٍ فِي تَحْصِيلِهِ، وَلِذَلِكَ سَمَّى
النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الزَّكَاةَ: أَوْسَاخَ النَّاسِ؛
كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ
هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ
لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ".
وَالزَّكَاةُ طَهَارَةٌ لِلْمُجْتَمَعِ مِنْ مُشْكِلَاتِ الفَقْرِ،
وَاكْتِنَازِ الثَّرَوَاتِ، وانتشارِ الطَّبَقِيَّةِ، وَزِيَادَةِ الفَجْوَةِ
بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ وَالفُقَرَاءِ. وَكَثِيرٌ مِنَ المُشْكِلَاتِ
الاقْتِصَادِيَّةِ إِنَّمَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ العَظِيمَةِ
الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى حَقًّا لِلْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ.
فَتُطَهَّرُ المُجْتَمَعَاتُ مِنْ جَرَائِمِ السَّرِقَةِ وَالنَّهْبِ
وَالنَّشْلِ وَالغَصْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى
الأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَإِنَّ المُحْتَاجِينَ إِنْ جَاءَهُمُ المَالُ مِنَ
الأَوْجُهِ المَشْرُوعَةِ، لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى تَحْصِيلِهِ بِطُرُقٍ
مُحَرَّمَةٍ.
وَنَحْنُ فِي العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، شَهْرِ
الجُودِ وَالعَطَاءِ وَالإِحْسَانِ. حَرِيٌّ بِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُطَهِّرَ
أَمْوَالَهُ بِالزَّكَاةِ المَفْرُوضَةِ، وَبِالصَّدَقَةِ المَسْنُونَةِ، وَأَنْ
لَا يَنْسَى الصَّائِمُ أَنَّ إِخْرَاجَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ سَبَبٌ مِنْ
أَسْبَابِ قَبُولِ الصِّيَامِ وَتَطْهِيرِهِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ.
وَلْيَعْلَمِ المُزَكِّي أَنَّ الزَّكَاةَ تَقَعُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
مَوْقِعًا عَظِيمًا، فَيُنَمِّي اللَّهُ تَعَالَى مَالَهُ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ
سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ
لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
وَقَدِ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
مَانِعِي الزَّكَاةِ، لِمَا لَهُمْ مِنْ أَثَرٍ مُدَمِّرٍ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَعَلَى مُجْتَمَعَاتِهِمْ، وَمِنْ أَثَرٍ فِي غَضَبِ اللَّهِ تَعالى. قالَ صلَّى
اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في وصفِ أولئكَ: "وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ
أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا البَهَائِمُ
لَمْ يُمْطَرُوا."
فَبَادِرُوا بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ أَمْوَالِكُمْ، وَأَعِينُوا إِخْوَانَكُمُ
الفُقَرَاءَ عَلَى قَضَاءِ حَاجَاتِهِمْ، اِمْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى:
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ
عليهِ وسلَّمَ لِمُعَاذٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ عِندَمَا بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ:
«أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ،
تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَيَا فَوْزَ
المُسْتَغْفِرِينَ، اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَسَلَامٌ عَلَى نَبِيِّهِ الَّذِي اصْطَفَى.
جَاءَتْ خُطْبَةُ هَذِهِ الجُمُعَةِ بِعُنْوَانِ فَضْلِ الزَّكَاةِ
وَزَكَاةِ الفِطْرِ. وَكُنَّا عَلَى أَمَلٍ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ مُوَجَّهَةً
هَذِهِ السَّنَةَ لِأَهْلِ غَزَّةَ، الَّذِينَ قَتَلَهُمُ البَرْدُ، وَقَتَلَهُمْ الجوعُ،
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَقْصِيرٌ مِنَ الأُمَّةِ جَمْعَاءَ، فَمَا
مَعْنَى التَّقْصِيرِ إِذَنْ؟
فِي ضَوْءِ مَا نَرَاهُ يَوْمِيًّا مِنْ صُوَرٍ يَخْجَلُ الوَاحِدُ مِنّا
مِنْ نَفْسِهِ حِينَ يَرَاهَا، بَلْ لَعَلَّهُ يَشْعُرُ أَحْيَانًا وَهُوَ
يُشَاهِدُ مَنَاظِرَ الأَطْفَالِ وَالعَجَائِزِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الإِسْلَامِ
كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ! فِي ضَوْءِ تَآمُرٍ عَالَمِيٍّ عَلَى
إِخْوَانِنَا فِي فِلَسْطِين عَامَّةً، وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً، وَفِي ضَوْءِ
تَقْصِيرٍ مُمَنَهَّجٍ، وَسِيَاسَةٍ مَرْسُومَةٍ لِتَجْوِيعِهِمْ وَإِخْضَاعِهِمْ.
يَقُولُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: (لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ بَاتَ
شَبْعَانَ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ جَائِعٌ وَهُوَ يَعْلَمُ).
فَكَيْفَ إِذَا عَلِمَ مَوْتَهُ بِالجُوعِ وَالعَطَشِ وَالبَرْدِ؟! فَبِمَ
يُجِيبُ رَبَّهُ يَوْمَ يَقومُ الأَشْهَادِ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ
العِبَادِ؟!
وكَيْفَ إِذَا كَانَ مُسَاهِمًا فِي حِصَارِهِمْ وَتَجْوِيعِهِمْ
وَإِذْلَالِهِمْ وَتَشْرِيدِهِمْ؟
فَمَا بَالُنَا اليَوْمَ نَرَى القَوْمَ مُقِيمِينَ عَلَى الأَمْوَالِ،
مُمْسِكِينَ عَنْ الإِنْفَاقِ، فِي زَمَنٍ ضَعُفَ فِيهِ أَهْلُ الإِسْلَامِ
وَقَلَّ نَاصِرُوهُ وَعَزَّ المُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِهِ، كَيْفَ بِنَا وَنَحْنُ
فِي مِثْلِ هَذَا الحَالِ نَرَى القَوْمَ القَاعِدِينَ يُمْسِكُونَ عَنِ
الإِنْفَاقِ عَلَى المُجَاهِدِينَ وَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا الكَلَامَ عَنْهُمْ،
وَكَأَنَّ الجِهَادَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَا يَخُصُّهُمْ، وَكَأَنَّ أَهْلَ
غَزَّةَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُدَافِعُوا عَنْ شَرَفِ الأُمَّةِ
وَكَرَامَتِهَا وَهُمْ يَجْلِسُونَ مُتَفَرِّجِينَ.
أَمَا سَمِعْنَا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – "مَنْ
لَمْ يَغْزُ أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ
أَصَابَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ"؟
بِقَارِعَةٍ، بِأَمْرٍ عَظِيمٍ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالبَلَاءِ يَأْتِيهِ
فَيُزَلْزِلُ أَرْكَانَهُ وَيُشْغِلُهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.
إِنَّ اللهَ وَعَدَ المُنْفِقَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِالأَجْرِ العَظِيمِ
يَوْمَ القِيَامَةِ فَقَالَ:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ
حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ – رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ – قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ،
أَيْ مَرْبُوطَةٍ مِنْ أَنْفِهَا، فَقَالَ: "هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ".
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُمِئَةِ
نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ".
أَلَا وَإِنَّ أَهْلَنَا فِي غَزَّةَ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى تَقْدِيمِ
يَدِ العَوْنِ، وَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ لَهُمْ فِي ضَوْءِ
الوَضْعِ الرَّاهِنِ الَّذِي آلَتْ إِلَيْهِ أَحْوَالُهُمْ، فَلَا تَنْسَوْهُمْ
مِنْ صَدَقَاتِكُمْ وَزَكَاتِكُمْ.
هَذَا وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ
عَظِيمٍ بَدَأَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَثَنَّى بِمَلَائِكَةِ قُدْسِهِ، وَثَلَّثَ
بِكُمْ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَسَلَّمْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ
بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ
وَالمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ ارْفَعْ مَا حَلَّ بِإِخْوَانِنَا فِي فِلَسْطِين، اللَّهُمَّ
انْصُرِ المُجَاهِدِينَ، وَارْحَمِ المُسْتَضْعَفِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ وَلَا تُعِنْ عَلَيْهِمْ، وَمَكِّنْ لَهُمْ وَلَا
تُمَكِّنْ مِنْهُمْ، وَانْصُرْهُمْ وَلَا تَنْصُرْ عَلَيْهِمْ.
اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِالإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ خَيْرًا
فَوَفِّقْهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ.
وَمَنْ أَرَادَ بِالإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ شَرًّا فَخُذْهُ أَخْذَ
عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالصَّهَايِنَةِ وَمَنْ وَالَاهُمْ، اللَّهُمَّ
عَلَيْكَ بِالصَّهَايِنَةِ وَمَنْ نَاصَرَهُمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ
بِالصَّهَايِنَةِ وَمَنْ طَبَّعَ مَعَهُم.
اللَّهُمَّ لَا تَرْفَعْ لَهُمْ رَايَةً، وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ غَايَةً،
وَاجْعَلْهُمْ عِبْرَةً وَآيَةً.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صِيَامَنَا وَصَلَاتَنَا وَقِيَامَنَا وَرُكُوعَنَا
وَسُجُودَنَا.
اللَّهُمَّ مَلِكِ البِلَادِ أَرِهِ الحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْهُ
اتِّبَاعَهُ، وَأَرِهِ البَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْهُ اجْتِنَابَهُ، وَهَيِّئْ
لَهُ البِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرُوهُ، وَإِنْ ذَكَرَ
أَعَانُوهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ، جَمْعُ التَّبَرُّعَاتِ فِي هَذِهِ الجُمُعَةِ
مُخَصَّصٌ لِغَايَاتِ دَعْمِ بَرْنَامَجِ صُنْدُوقِ الزَّكَاةِ التَّابِعِ
لِوِزَارَةِ الأَوْقَافِ.
وَأَنْتَ يَا أَخِي أَقِمِ الصَّلَاةَ.
تعليقات
إرسال تعليق