بسم الله الرحمن الرحيم
(الصيام)
الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَضْحَكَ وَأَبْكَى، لَهُ الْحَمْدُ سُبْحَانَهُ بِمَا
خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا وَهَدَانَا وَعَلَّمَنَا.كَفَانَا فَخْرًا أَنْ تَكُونَ
لَنَا رَبًّا، وَكَفَانَا عِزًّا أَنْ نَكُونَ لَكَ عَبِيدًا.
وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيْهًا
** وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي
** وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيًّا
سُبْحَانَكَ
سُبْحَانَكَ - مَا فِي الْوُجُودِ سِوَاكَ رَبُّ يُعْبَدُ
** كَلَّا وَلَا مَوْلًى هُنَاكَ فَيُحْمَدُ
رَبَّاهُ إِنَّ السَّيْلَ قَدْ بَلَغَ
الزُّبَى ** وَالْأَمْرُ عِنْدَكَ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ
يَا مَنْ أَحَالَ النَّارَ حَوْلَ
خَلِيلِهِ ** رَوْحًا وَرَيْحَانًا بِقَوْلِكِ كُونِي
يَا مَنْ أَمَرْتَ الْحُوتَ يَلْفِظُ
يُونُسًا ** وَسَتَرْتَهُ بِشَجِيرَةِ الْيَقْطِينِ
رَبَّاهُ إِنَّا مِثْلَهُ فِي شِدَّةٍ
** فَارْحَمْ عِبَادًا كُلَّهُمْ ذُو النُّونِ
وَأُصَلِّي
وَأُسَلِّمُ وَأُبَارِكُ عَلَى سَيِّدِي وَحَبِيبِي وَنَبِيِّي مُحَمَّدٍ
صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي طَلَعَ فِي
أُفُقِ الْوُجُودِ بَدْرُهُ، وَسَطَعَتْ بِهِ شَمْسُهُ، صَنَّعَ الرِّجَالَ
وَخَرَّجَ الْأَبْطَالَ وَكَانَ قُدْوَةَ النَّاسِ فِي الْمَيْدَانِ، فَبِأَبِي
وَأُمِّي وَرُوحِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ.
عِبَادَ
اللهِ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللهِ، لِقَوْلِهِ جَلَّ
وَعَلَا:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أَمَّا
بَعْدُ:
سَاعَاتٌ
تَفْصِلُنَا عَنْ أَبْوَابٍ مُشْرَعَةٍ لِلْجَنَّةِ، وتأخُذُنُا إلى حَدَثٍ
كَوْنِيٍّ عَظِيمٍ يَتَغَيَّرُ لَهُ وَجْهُ الْكَوْنِ، تُوشِكُ أَبْوَابُ
الْجَنَّةِ أَنْ تُفْتَحَ عَلَى مِصْرَاعَيْهَا، فَيَغْشَى الصَّائِمِينَ
وَالْقَائِمِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعَ السُّجُودَ.
يَغْشَى
التَّالِينَ وَالذَّاكِرِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُتَصَدِّقِينَ مِنْ عَبِيرِ
الْجَنَّةِ وَأَرِيجِهَا وَمِنْ رِيحِهَا.
سَاعَاتٌ
تَفْصِلُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَنْ تُوصَدَ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَا يَمَسُّ
الصَّائِمِينَ وَلَا الْقَائِمِينَ وَلَا الْمُتَصَدِّقِينَ مِنْ لَفْحِهَا وَلَا
مِنْ رِيحِهَا وَسَمُومِهَا.
إِنَّهُ
شَهْرُ رَمَضَانَ، الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، قَالَ رَبُّنَا جَلَّ
وَعَلَا: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى
لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ".
أَتَانَا
شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا صِيَامَهُ،
تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ،
وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، وَفِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ
أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ.
جَاءَ
فِي الْأَثَرِ: "نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ".
اِعْزِمُوا
النِّيَّةَ أَنَّكُمْ صَائِمُونَ قَائِمُونَ إِنْ أَدْرَكْتُمُوهُ، فَتَبْلُغُوا
بِنِيَّاتِكُمْ مَبَالِغَ الصَّائِمِينَ الْقَائِمِينَ، طُوبَى لِلْمُدْرِكِينَ،
وَيَا فَوْزَ الْمُدْرِكِينَ، وَلَا عَزَاءَ لِلْمُفَرِّطِينَ وَلَا
لِلْمُضَيِّعِينَ.
صَعِدَ
النَّبِيُّ ﷺ
دَرَجَاتِ الْمِنْبَرِ وَالصَّحَابَةُ يَسْمَعُونَ تَأْمِينَهُ: "آمِينَ،
آمِينَ، آمِينَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْنَاكَ تُؤَمِّنُ؟
قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ،
رَغِمَ أَنْفُهُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ".
خَابَ
وَخَسِرَ مَنْ أَدْرَكَ مَوَاطِنَ الْفَضْلِ وَالْأُجُورِ ثُمَّ خَرَجَ صِفْرَ
الْيَدَيْنِ.
إِذَا
كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، مُحِيَتْ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ
مِنْ قَائِمَةِ النَّارِ، قَالَ ﷺ: "إِنَّ
لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي
كُلِّ لَيْلَةٍ".
وَلَسْنَا
بِصَدَدِ الْحَدِيثِ عَنْ فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَكُلُّكُمْ عَلَى عِلْمٍ
وَدِرَايَةٍ بِأَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةَ تُفْتَحُ فِي رَمَضَانَ،
وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ النَّارِ، وَتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ.
وَكُلُّكُمْ
عَلَى عِلْمٍ وَدِرَايَةٍ أَنَّهُ إِنْ جَاءَ رَمَضَانُ نَادَى مُنَادٍ مِنَ
السَّمَاءِ: "يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ
أَقْصِرْ".
وَجَمِيعُكُمْ
يَعْلَمُ أَنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ
الْمِسْكِ.
وَأَنَّ
مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ.
وَأَنَّ
لِلصَّائِمِ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً.
بَلْ
وَكُلُّكُمْ يَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ
فَإِنَّهُ لِلَّهِ وَهُوَ يَجْزِي بِهِ.
وَأَنَّ
رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الْقُرْآنِ، فَتَرَى النَّاسَ يَخْتِمُونَهُ مَرَّةً
وَمَرَّتَيْنِ وَعَشْرًا.
وَأَنَّ
الْأُجُورَ تَتَضَاعَفُ فِي رَمَضَانَ.
وَلَكِنْ
لِنَتَوَقَّفْ قَلِيلًا عِنْدَ مُمَارَسَاتٍ وَسُلُوكَاتٍ اعْتَدْنَا عَلَيْهَا
مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّائِمِينَ:
أَنَّهُ
إِنْ جَاءَ رَمَضَانُ صَامَ عَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الطَّعَامِ
وَالشَّرَابِ وَالْمُفَطِّرَاتِ وَأَفْطَرَ عَلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَلَا
تَصُومُ جَوَارِحُهُ عَمَّا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَظَرٍ إِلَى حَرَامٍ،
وَسَمَاعٍ لِلْحَرَامِ، وَنُطْقٍ بِحَرَامٍ، فَتَرَاهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ
وَهُوَ صَائِمٌ يَغْتَابُ هَذَا، وَيَنِمُّ عَلَى هَذَا، وَيَكْذِبُ عَلَى هَذَا،
وَيَأْكُلُ مَالَ هَذَا، وَيَشْهَدُ الزُّورَ، وَيُعَادِي أَقَارِبَهُ
وَأَبَوَيْهِ، وَيُؤْذِي جَارَهُ وَيُؤْذِي مَنْ يَعْرِفُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ،
حَتَّى إِذَا مَا رَأَوْهُ اسْتَعَاذُوا بِاللَّهِ مِنْهُ، وَلَعَلَّ النَّبِيَّ ﷺ
يَقْصِدُهُ حِينَ قَالَ: "رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا
الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ".
وَيَقُولُ
ﷺ:
"مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ
حَاجَةٌ بِأَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".
بَلْ
وَالْأَنْكَى مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَحْصُرُ مَفْهُومَ رَمَضَانَ وَمَعَانِيَهُ
السَّامِيَةَ الَّتِي فُرِضَ لِأَجْلِهَا الصِّيَامُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ،
فَتَرَاهُ لَا يُزَكِّي نَفْسَهُ وَلَا يُنَقِّيهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ
الرَّذِيلَةِ، فَتَرَاهُ فِي رَمَضَانَ أَسْوَأَ حَالًا مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي
غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ.
وَهُنَاكَ
صِنْفٌ آخَرُ مِنَ الصَّائِمِينَ يَقْضِي لَيْلَهُ عَلَى الْقَنَوَاتِ
وَالْمُسَلْسَلَاتِ، ثُمَّ إِذَا أَتَى النَّهَارُ نَامَ بِالسَّاعَاتِ، وَإِذَا
اسْتَيْقَظَ تَوَجَّهَ إِلَى الْأَسْوَاقِ وَيَنْسَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا
مَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ إِلَّا لِيَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ، فَلَا
يَغْتَنِمُ الرَّحَمَاتِ وَلَا يَغْتَنِمُ النَّفَحَاتِ فِي هَذَا الشَّهْرِ
الْكَرِيمِ.
(قُلْ
هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا
الَّذِينَ
ضَلَّ
سَعْيُهُمْ
فِي
الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا
وَهُمْ
يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ
صُنْعًا).
إِنَّ
رَمَضَانَ فُرْصَةٌ لِنَتَفَقَّدَ حَالَ قُلُوبِنَا، فَنُصَفِّيَ كَدَرَهَا،
وَنَغْسِلَهَا مِنْ أَمْرَاضِهَا وَحِقْدِهَا وَحَسَدِهَا، لَمَّا سُئِلَ ابْنُ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَسْتَقْبِلُونَ رَمَضَانَ؟
قَالَ:
"مَا كَانَ أَحَدُنَا يَجْرُؤُ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْهِلَالِ وَفِي قَلْبِهِ
ذَرَّةُ حِقْدٍ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ".
وَإِنَّ
مِنْ أَبْرَزِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَتَوَجَّبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَقُومَ
بِهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْفَضِيلِ هُوَ صِلَةُ الْأَرْحَامِ وَتَلَمُّسُ
احْتِيَاجَاتِهِمْ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: "مَنْ
سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ
فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
صِلُوا
وَسَامِحُوا مَنْ هَجَرْتُمُوهُمْ وَقَطَعْتُمُوهُمْ فَلَعَلَّكُمْ لَا
تَلْقَوْهُمْ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا.
كَمَا
يَتَوَجَّبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَتَفَقَّدَ إِخْوَانَهُ
وَجِيرَانَهُ الْمُعْوِزِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْفَضِيلِ، فَهَا أَنْتُمْ
تَشْهَدُونَ الْيَوْمَ رَفْعًا غَيْرَ مَسْبُوقٍ لِلْأَسْعَارِ، وَأَحْوَالُ
النَّاسِ لَا تَزْدَادُ إِلَّا سُوءًا، فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجِدُ مَا يُعِيلُ
بِهِ أَهْلَ بَيْتِهِ، فَتَفَقَّدُوا جِيرَانَكُمْ وَمَنْ تَعْرِفُونَ سُوءَ
حَالِهِمْ وَأَغْنُوهُمْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ.
فَيَا
بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ.
أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَيَا فَوْزَ
الْمُسْتَغْفِرِينَ، اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ.
الْخُطْبَةُ
الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ
لِلَّهِ وَكَفَى، وَسَلَامٌ عَلَى نَبِيِّهِ الَّذِي اصْطَفَى، أَمَّا بَعْدُ:
يَأْتِي
عَلَيْنَا رَمَضَانُ هَذَا الْعَامِ حَامِلًا فِي ذَاكِرَتِهِ الْكَثِيرَ مِنْ
نِقَاطِ التَّحَوُّلِ، إِنَّهُ رَمَضَانُ، يَوْمُ الْفُرْقَانِ الَّذِي فَرَّقَ
اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَنَصَرَ فِيهِ عَبْدَهُ
وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ فِي بَدْرٍ.
إِنَّهُ
رَمَضَانُ، الَّذِي دَخَلَ فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ
مَكَّةَ فَاتِحًا وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَهْدِمُ مَا حَوْلَهُ مِنَ
الْأَصْنَامِ وَيَقُولُ: "جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ
الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا".
رَمَضَانُ
الَّذِي يَحْمِلُ فِي ذَاكِرَتِهِ الْكَثِيرَ مِنَ الْانْتِصَارَاتِ
وَالْفُتُوحَاتِ، لَكِنَّهُ يُطِلُّ عَلَيْنَا هَذَا الْعَامَ وَإِخْوَةٌ لَنَا
لَا يَجِدُونَ مَا يَسُدُّونَ بِهِ الرَّمَقَ، إِخْوَةٌ لَنَا فِي الْخِيَامِ،
وَآخَرُونَ تَحْتَ الرُّدْمِ، وَآخَرُونَ أُحْكِمَ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، مَاتَ
أَطْفَالُهُمْ بَرْدًا، فِي عَالَمٍ يَدَّعِي كَذِبًا وَزُورًا وَبُهْتَانًا
أَنَّهُ عَالَمٌ مُتَحَضِّرٌ، وَهُوَ وَاللَّهِ فِي أَحْقَرِ وَأَسْفَلِ مَا مَرَّ
بِالْبَشَرِيَّةِ مِنْ انْحِطَاطٍ.
يَأْتِي
عَلَيْنَا رَمَضَانُ وَحَالَةُ الْعَجْزِ حَالَةٌ مُزْرِيَةٌ.
لِمِثْلِ
هَذَا يَذُوبُ الْقَلْبُ مِنْ كَمَدٍ إِنْ كَانَ
فِي
الْقَلْبِ
إِسْلَامٌ
وَإِيمَانُ
إِنَّ
رَمَضَانَ فُرْصَةٌ طَيِّبَةٌ لِنَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى وَنَحْنُ مُوقِنُونَ
بِالْإِجَابَةِ، أَنْ يَرْحَمَنَا وَيَرْحَمَ أُمَّتَنَا، وَيَرْحَمَ
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنْصُرَ الْمُجَاهِدِينَ تَحْدِيدًا
فِي فِلَسْطِين، فَقَدْ خَتَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آياتِ الصِّيَامِ
بِقَوْلِهِ: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ
دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ".
فَفِي
الْحَدِيثِ: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ... مِنْهُمْ... الصَّائِمُ
حَتَّى يُفْطِرَ".
أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ:
وَجَبَ
التَّنْبِيهُ عَلَى رُكْنٍ أَسَاسِيٍّ مِنْ أَرْكَانِ الصِّيَامِ، أَلَا وَهُوَ
النِّيَّةُ.
وَاسْتَدَلَّ
الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،
وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى".
وَذَهَبَ
جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ تَكُونُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ
مِنْ لَيَالِي الشَّهْرِ، وَتَصِحُّ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ، لِقَوْلِ
النَّبِيِّ ﷺ:
"مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ".
وَذَهَبَ
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ،
وَإِنَّمَا النِّيَّةُ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ.
نَسْأَلُ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُعِينَنَا عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، إِنَّهُ
وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
هَذَا،
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ
أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ بَدَأَ بِهِ بِنَفْسِهِ، وَثَنَّى بِمَلَائِكَةِ
قُدْسِهِ، وَثَلَّثَ بِكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ ۚ
يَا
أَيُّهَا
الَّذِينَ
آمَنُوا
صَلُّوا
عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا﴾.
لَبَّيْكَ
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَسَلَّمْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى
آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَارْضَ
اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ
أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ،
وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ
انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ
الْكَرِيمُ.
اللَّهُمَّ
ارْفَعْ مَا حَلَّ بِإِخْوَانِنَا فِي فِلَسْطِين، اللهم ارفع ما حل باخواننا في
غزة وجنين.
اللَّهُمَّ
انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ، وَارْحَمِ الْمُسْتَضْعَفِينَ.
اللَّهُمَّ
أَعِنْهُمْ وَلَا تُعِنْ عَلَيْهِمْ، وَمَكِّنْ لَهُمْ وَلَا تُمَكِّنْ مِنْهُمْ،
وَانْصُرْهُمْ وَلَا تَنْصُرْ عَلَيْهِمْ.
اللَّهُمَّ
مَنْ أَرَادَ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَوَفِّقْهُ إِلَىٰ كُلِّ
خَيْرٍ.
وَمَنْ
أَرَادَ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ شَرًّا فَخُذْهُ أَخْذَ عَزِيزٍ
مُقْتَدِرٍ.
اللَّهُمَّ
عَلَيْكَ بِالصَّهَايِنَةِ وَمَنْ وَالَاهُمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ
بِالصَّهَايِنَةِ وَمَنْ نَاصَرَهُمْ / وَطَبَّعَ مَعَهُمْ.
اللَّهُمَّ
لَا تَرْفَعْ لَهُمْ رَايَةً، وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ غَايَةً، وَاجْعَلْهُمْ
عِبْرَةً وَآيَةً.
اللَّهُمَّ
مَلِّكِ الْبِلَادَ، أَرِهِ الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْهُ اتِّبَاعَهُ، وَأَرِهِ
الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْهُ اجْتِنَابَهُ.
وَهَيِّئْ
لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرُوهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانُوهُ. وأنت يا أخي أقم الصلاة.
تعليقات
إرسال تعليق